دروس من تحرير الموصل!

نشر في 04-07-2017
آخر تحديث 04-07-2017 | 00:10
 د. حسن عبدالله جوهر اكتملت عملية تحرير الموصل بنجاح وتوّجت بإنهاء ما يسمى "دولة الخلافة الإسلامية" في العراق، ومثلما بدأت نواة "داعش" في العراق فقد تم اقتلاع جذور هذه النبتة الشيطانية في العراق أولاً.

لم يحقق العراقيون، جيشاً وشعباً، من هذا الانتصار تطهير أرضهم من هذا الوجود الإرهابي المعزّز بالمرتزقة من حول العالم، بل قدموا خدمة جليلة للعالم العربي والإسلامي وللمعمورة قاطبة بإسقاط القناع القبيح والمخيف للأسطورة السوداء التي تم النفخ فيها إعلامياً وسياسياً بإنهاء حقبة الخلافة المزعومة بكل ما حملته أيديولوجيتها من فكر تكفيري، وممارساتها العملية من الجرائم بحق الإنسانية التي يندى لها جبين كل مسلم.

تحرير الموصل والقضاء على دولة "داعش" المزعومة كلفا العراقيين تضحيات كبيرة من دماء شبابهم وأعراض نسائهم ودمار ممتلكاتهم، فقد قاتلوا طويلاً لوحدهم في حين كانت دول العالم تقف موقف المتفرج، إن لم تكن في الجبهة المضادة في بعض الأحيان، وحتى فرحة هذا الانتصار الكبير لم يشارك البعض فيها الشعب العراقي، لاعتبارات فكرية أو لخلخلة المعادلات والترتيبات السياسية القادمة، فهناك المتباكون على هزيمة "داعش" في العراق، وهناك المشككون في هذا الانتصار، وهناك المترقبون لمرحلة ما بعد "داعش" في العراق. تنظيم "داعش"، وبعد كسر عموده الفقري في العراق، بات يلفظ أنفاسه الأخيرة في سورية، وأصبح محاصراً في ليبيا، وتقهقر إلى حد كبير في اليمن، كما أنه يتلقى ضربات منظمة في سيناء المصرية، ولذلك فإن القضاء على هذا البعبع بات وشيكاً جداً.

تجربة "داعش" السوداء، التي هزت العالم بجرائمها ووحشيتها، يجب أن تخضع لدراسة واعية وتحليل علمي، لأنه وإن مسح من الوجود كتنظيم ميداني واستعراض إعلامي ومستندات مطبوعة قد تعطيه شكلاً من أشكال الحاكمية، لكنه كفكر وأتباع سيتخفى تحت الأرض، وقد يعاود العمليات الفردية والهجمات الإرهابية من أي موقع وفي أي بلد، وقد يستهدف بلداناً جديدة تعاني الهشاشة السياسية والفراغ الأمني في آسيا وإفريقيا، ولذلك فإن الجهود المستمرة لمكافحة هذه الآفة يجب أن تستمر، واليقظة والحيطة في غاية الأهمية في المرحلة القادمة.

مراجعة أسباب ولادة "داعش" وغيره من التنظيمات المتطرفة وتوغلها وانتشارها بين الشباب هي الأهم على الإطلاق، ولعل تداعيات الربيع العربي وانهيار البنية السياسية لبعض الدول العربية تعد من الأسباب الرئيسة لظهور هذا المد الإرهابي، وتلك التداعيات أيضاً كان منبعها حكومات الجور والبطش ودكتاتورية القرار السياسي، وإذلال الشعوب في بحر من الفساد والتخلف وغياب الحريات العامة.

تجربة "داعش" السوداء أيضاً كشفت سوء استغلال بعض الحكومات أو التيارات الفكرية وحتى بعض مشايخ الدين لمثل هذه التنظيمات المتطرفة والمنحرفة ودعمها بشكل مباشر أو غير مباشر لتصفية حساباتها السياسية مع خصومها من الدول والتيارات الأخرى، فبيّنت أن ترويض مثل هذه الوحوش قد يخرج عن السيطرة والتحكم، وبالتالي لن يسلم من شرورها أحد، ولعل تحرير الموصل من أبلغ الدروس التي قد يتعظ منها الكثير لتجنب تكرارها رأفة بسلامة الشعوب وبقاء الأمم!

back to top