كيف يمكن أن تسير كوريا الشمالية إلى الحرب؟
انتهت المرحلة الأكثر حدة من القتال في كوريا قبل 62 سنة تقريباً، إلا أن انقسام شبه الجزيرة ما زال إرث الحرب الباردة الأكثر بروزاً في العالم، فقد تحوّلت جمهورية كوريا إلى دولة ديمقراطية ناجحة اقتصادياً في حين أخفقت كوريا الشمالية إخفاقاً كاملاً.كما في السنوات السبعين الماضية، يرتبط أفضل آمال كوريا الشمالية بالتنعم بالسلام باحتمال انهيار نظام الرأسمالية العالمي، وقد يبدو هذا الأمل متفائلاً جداً، ولكن لنتذكر أن كوريا الجنوبية عانت الكثير خلال الأزمة المالية الآسيوية عام 2017، وأن العالم الرأسمالي ما زال يتخبط وسط تداعيات الأزمة المالية عام 2008، وأن اليابان تواجه صعوبات اقتصادية تبدو بالغة التعقيد.إذا أرادت كوريا الشمالية تحقيق النصر يعتمد مسارها الأكثر وضوحاً على إنزال هزيمة سريعة بقوات كوريا الجنوبية، فارضةً بالتالي على الولايات المتحدة واليابان واقعاً منجزاً تتوقع بيونغ يانغ من بكين أن تدعمه. سيشمل هجوم كوريا الشمالية على الأرجح اعتداء بمزيج من أسلحة القرن العشرين التقليدية، معتمداً على المدفعية لزعزعة دفاعات جمهورية كوريا وتليين المواقف (فضلاً عن نشر حالة من الذعر المدني)، والمشاة لإحداث ثغرات في صفوف كوريا الجنوبية، والقوات المؤللة لاستغلال تلك الثغرات، كذلك قد تستعين كوريا الشمالية بالقوات الخاصة والقوات العادية، التي تنشرها عبر نفق في مناطق كوريا الجنوبية المتقدمة.
علاوة على ذلك سيضم أي غزو كوري شمالي هجمات على مرافئ كوريا الجنوبية بهدف زعزعة التجارة وتصعيب وصول التعزيزات الواسعة النطاق على حد سواء، وستقوم هذه الاعتداءات على الأرجح على صواريخ بالستية تقليدية، مع أن جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية قد تلجأ إلى أسلحة نووية أو كيماوية-بيولوجية لضرب بعض الأهداف البالغ الأهمية بالتحديد. ومع القليل من الحظ قد ينجح جيش الشعب الكوري في زعزعة القوات الأميركية والكورية الجنوبية بما فيه الكفاية ليسيطر على نقاط دخول وخروج أساسية في سيول، وقد تقرر كوريا الشمال بعد ذلك مواصلة اجتياح كامل شبه الجزيرة أو الحفاظ على ما بلغته والتوقف للتفاوض بشأن سلام يمنح جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية موقفاً أقوى. سيعتمد هذا القرار على الوضع التكتيكي، فضلاً عن تقييم ما إذا كانت أهداف كوريا الشمالية الوطنية تقوم على الوحدة أو استمرار النظام. كلما طالت الحرب تراجعت فرص كوريا الشمالية بالنجاح، ونتيجة لذلك تحتاج بيونغ يانغ إلى دعم بكين كي تنهي الحرب وتحمي مكاسبها بسرعة، ولكن لمَ قد تضطلع بكين بدور الضامن لثمار اعتداء كوريا الشمالية؟ لا يعود ذلك إلى أي إعجاب مستمر بنظام كوريا الشمالية، بل إلى الرغبة في منع انتشار المزيد من الاضطرابات وعدم الاستقرار على حدودها، علاوة على ذلك إذا وضعنا استياء بكين من كوريا الشمالية جانباً، نلاحظ أن لا مصلحة للصين في قيام دولة عميلة تابعة للولايات المتحدة أو اليابان في كامل شبه الجزيرة الكورية. في هذه الحال ستأمل كوريا الشمالية أن يشكّل احتمال نشوب حرب مع الصين (أو ربما روسيا) وسيلة ردع تمنع الولايات المتحدة من السعي إلى تحرير كوريا الجنوبية، واللافت للنظر أن هذه الحسابات مطابقة لما استند إليه كيم إيل-سونغ عام 1950، مع أن ترسانة كوريا الشمالية النووية (الموجهة حسبما يُفترض نحو اليابان) اليوم ستشكل أيضاً وسيلة ردع إلى حد ما.لحفظ السلام... يُعتبر هذا أفضل سيناريو لكوريا الشمالية، ولكن من الضروري ألا ننسى أن معظم المحللين يؤكدون أن جيش كوريا الشمالية غير كافٍ لإنزال الهزيمة بقوات كوريا الجنوبية. تشير الدفاعات الساكنة على طول المنطقة المنزوعة السلاح، فضلاً عن تطور القوات الكورية الجنوبية وقدرتها العالية على الحركة، إلى أن أي هجوم على كوريا الجنوبية سيتحوّل على الأرجح إلى كارثة لوجستية قبل سقوط سيول. ففي تلك المرحلة ستؤدي الهجمات على طول عمق الموقع الكوري الشمالي، فضلاً عن الاعتداءات المكثفة على أهداف النظام وشبكة القيادة والتحكم التابعة لجيش الشعب الكوري، على الأرجح إلى عزل القوات المتقدمة وجعلها عرضة للتدمير.قد تكون شبكة الدفاع الجوي الكورية الشمالية ضخمة وقوية، إلا أنها تفتقر إلى التطور، حتى المسؤولون العسكريون الكوريون الشماليون يدركون هذا الواقع، ويعون بالتأكيد مدى تدني احتمال أن يحقق اعتداء مماثل أي نجاح، سواء كان طويل أو قصير الأمد، ولكن لا نستطيع أن نستبعد إمكان أن تتبدّل الظروف السياسية بشكل جذري، مما يجعل كوريا الشمالية يائسةً كفاية لتشن اعتداء مماثلاً، أو أن تتخيل أنها تملك "فرصة عظيمة واحدة أخيرة". وفي مطلق الأحوال، لا ضرر من الاستعداد. * روبرت فارلي* «ذي ناشيونال إنترست»