يؤدي القطاع التعاوني ومن ضمنه الجمعيات التعاونية الاستهلاكية (عددها الآن 55 جمعية منتشرة في كل المناطق السكنية) دوراً مهماً في التنمية الإنسانية المستدامة، وفي تخفيف الأعباء المعيشية على المواطنين والسكان عموماً. والجمعيات التعاونية، كما سبق أن ذكرنا، هي ملكية اجتماعية عامة، أي أنها ملك للمساهمين لا الحكومة التي ينبغي أن يقتصر دورها على عملية الرقابة العامة لمنع الفساد الإداري والمالي. وفي تعارض مع دور القطاع التعاوني ومسؤولية الحكومة، قامت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل العام الماضي بإلزام الجمعية العمومية لجمعية الدسمة وبنيد القار بالانعقاد بشكل طارئ وبمن حضر من المساهمين، وكانت نسبتهم منخفضة للغاية مقارنة بالعدد الإجمالي للمساهمين، من أجل اتخاذ قرار بخصخصة السوق المركزي عن طريق إعطائه لمستثمر خاص بحسب رغبة وزارة الشؤون، على الرغم من أن ذلك يتناقض مع القرارات الوزارية المنظمة لعمل الجمعيات التعاونية، ومع طبيعة ملكيتها والغرض من إنشائها.
علاوة على أن خصخصة الجمعيات التعاونية الاستهلاكية معناه قيام الحكومة بتمكين القطاع الخاص من تعظيم أرباحه المضمونة على حساب المساهمين، وذلك من خلال تمكينه من السيطرة التامة على منافذ البيع والتسويق التي توفرها الجمعيات التعاونية وتتجاوز حالياً (200) منفذ بيع وتسويق أرباحها مضمونة، ناهيك عن تحكمه في الأسعار وجودة الخدمة المقدمة، في الوقت الذي بإمكان القطاع الخاص، بحسب القوانين السارية، أن يفتتح ما يشاء من أسواق خاصة بتجارة التجزئة، ثم ينافس الجمعيات التعاونية بدلاً من تمكينه من السيطرة عليها عن طريق الخصخصة مثلما حصل في جمعية الدسمة وبنيد القار. وعلى ما يبدو فإن الحكومة ماضية قدماً، مثلما يفهم من تصريحات وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل، في تصفية الجمعيات التعاونية بدلاً من إصلاح إداراتها، وذلك تحت ذريعة وجود فساد إداري ومالي، وتسليمها لمجاميع تجارية تبحث عن الربح السريع والمضمون تحت شعارات إعلامية غير صحيحة، تبالغ في كفاءة قطاع خاص ريعي وعائلي لا يدفع ضرائب ولا يوظف مواطنين، ويتلقى دعما حكوميا مستمراً. علاوة على ادعاء خاطئ بأن الحكومة تقوم بتطبيق قانون "الشراكة بين القطاعين العام والخاص" الذي لا ينطبق على القطاع التعاوني، إذ إنه قطاع مختلف عن القطاعين العام والخاص سواء بالنسبة إلى طبيعة نشاطه، أو نوعية ملكيته والغرض من إنشائه.أما حجة وجود فساد إداري ومالي في إدارة بعض الجمعيات التعاونية فهي حجة متهافتة لا تستقيم مع المنطق، فالفساد موجود حتى في القطاع الخاص وبكثرة، فكيف بمقدور حكومة عاجزة عن وقف التجاوزات والحد من الفساد الإداري والمالي في إدارة بعض الجمعيات التعاونية الخاضعة مباشرة لرقابتها، أن توقف عمليات الفساد التي من المرجح جداً حدوثها في إدارة القطاع الخاص الذي ستسلم له الجمعيات التعاونية الاستهلاكية على طبق من ذهب؟!
مقالات
الجمعيات التعاونية إصلاح لا خصخصة... مرة أخرى
05-07-2017