مكتبات السلام في كولومبيا
في عالم يزداد فيه خطر اندلاع حرب واسعة النطاق يوما بعد يوم، أصبحت معاهدات السلام نادرة وذات قيمة مضافة، وقد تم التوقيع على إحدى أهمها في التاريخ الحديث، ففي العام الماضي تولى الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس التوسط في اتفاقية بين الحكومة الكولومبية ومقاتلي القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك)، وقد صادقت الحكومة الكولومبية على هذه الاتفاقية في ديسمبر الماضي رسميا بعد حرب أهلية استمرت 50 عاما وأسفرت عن مصرع أكثر من 220 ألف شخص.حصل سانتوس على جائزة نوبل للسلام عام 2016 مكافأة لجهوده، لكن قيادته الحكيمة لا تتوقف عند قدرته على التوسط والتوصل إلى اتفاق، وكجزء من برنامج المصالحة الذي تقوم به الحكومة الكولومبية، أعطت المكتبة الوطنية الكولومبية الأولوية لإقامة مكتبات عامة متنقلة في ضواحي مناطق تسريح القوات المسلحة الثورية الكولومبية؛ المناطق التي سيسلم فيها المسلحون السابقون أسلحتهم والبدء بالاندماج في المجتمع.وتوفر هذه المكتبات العامة المتنقلة التعليم والمعلومات للمجتمعات التي دمرتها عقود من الصراع، وتعد أجزاء كولومبيا التي كانت تسيطر عليها القوات المسلحة الثورية لكولومبيا من بين المناطق النائية والمعزولة في البلاد، والكثير من هذه المجتمعات المحلية ليس لديها مرافق صحية أساسية أو كهرباء أو رعاية صحية أو إمكانية الحصول على التعليم.
وقد أدى الإلمام الضعيف بالقراءة والكتابة في المناطق الريفية في كولومبيا إلى تفاقم عدم المساواة في جميع أنحاء البلاد، ولحسن الحظ، يدرك سانتوس أن التعليم ومحو الأمية شرطان مسبقان للتحرك الاقتصادي المتصاعد. ومن ثم، فإن التزامه بتوفير المزيد من الموارد في المناطق المتضررة هو وسيلة لتحقيق تكافؤ الفرص.لكن مشروع سانتوس التاريخي يطمح ليصبح أكثر من مجرد نمو اقتصادي، فمن خلال تعزيز هذه المؤسسات الحرة والمفتوحة جوهريا كمكتبات عامة يفتح سانتوس أيضا مساحة للمواطنين للمشاركة في الحوار الديمقراطي، وتشجع المكتبات على التعاطف والتسامح، ويمكنها أن تعزز التفاعلات الإنتاجية بين السكان المحليين والمقاتلين السابقين الذين يعودون إلى المجتمع المدني الكولومبي. وعلاوة على ذلك تمكن المكتبات المجتمع من العمل الجماعي، من خلال تزويد الناس بالموارد والمعلومات التي يحتاجونها للنهوض بظروفهم الخاصة وتعزيز الروابط الاجتماعية التي تربط مجتمعاتهم، وتُعتبر المكتبات مراكز تلتئم فيها الجمعيات المحلية وأفراد المجتمع المحلي لمناقشة قضايا اليوم، وإيجاد حلول سلمية وتعاونية للمشاكل المشتركة المطروحة.بصفتها مراكز فإن المكتبات تخلق أيضا شعورا بالانتماء وبالروح الجماعية، وفي بعض مناطق كولومبيا، كانت المكتبات العامة المتنقلة من أولى المؤسسات الحكومية التي فتحت أبوابها بعد التوقيع على اتفاق السلام، ومن خلال استخدام المكتبات في الجهود الأولية التي تبذلها الحكومة لإعادة الانخراط في هذه المجالات يعترف سانتوس بوضوح بالدور الذي تؤديه هذه المؤسسات في الحد من التوتر وفي تعزيز السلام، وستشكل المكتبات معا شبكة وطنية تجمع بين المناطق المعزولة سابقا.وتنفذ المكتبة الوطنية الكولومبية برنامجها الخاص بالمكتبة المتنقلة بالاشتراك مع المنظمة غير الحكومية "المكتبات بلا حدود"، وهي بمثابة صندوق للأفكار: وتُعتبر أحدث مكتبة منبثقة وأداة تعليمية توفر الموارد التعليمية والثقافية للمجتمعات المحلية التي هي بحاجة إليها. صندوق الأفكار متنقل ودائم على حد سواء، ويوفر للمجتمعات إمكانية الوصول المباشر إلى أجهزة الوسائط المتعددة مثل أقراص وأجهزة الكمبيوتر، والآلاف من الكتب الإلكترونية، والولوج إلى شبكة الإنترنت، ويجري استخدام صندوق الأفكار لمساعدة المحرومين والمشردين في جميع أنحاء العالم؛ وكان مفيدا جدا في الاستجابة للأزمة التعليمية والثقافية في كولومبيا. وفي كلمة توضيحيه للمكتبات العامة نُشرت مؤخرا في صحيفة نيويورك تايمز، ذكر الكاتب الشهير ماهيش راو بتعريف الصحافي صوفي ماير لمكتبة باسم "النموذج المثالي للمجتمع، أفضل مساحة مشتركة ممكنة". بالنسبة إلى ماير، المكتبات مكان "يسعى فيه كل شخص إلى تحقيق هدفه الخاص (التعليم، والترفيه، والتأثير، والراحة) من خلال أفضل وسيلة ممكنة لنقل الأفكار والمشاعر والمعرفة؛ الكتاب".وبدعم من منظمة مكتبات بلا حدود، أخذ سانتوس وصف ماير للمكتبات على محمل الجد، من خلال جعل المكتبات متاحة للجميع، وقال إنه يهدف إلى محو الأمية، وتعزيز الثقافة، وتوحيد شعب كولومبيا.ويأمل المرء أن يسير زعماء العالم الآخرون على خطاه، وأن يعترفوا أيضا بالدور الذي يمكن أن تؤديه المكتبات في ضمان السلام الدائم.* أليكس سوروس* باتريك ويل* أليكس سوروس هو مؤسس مؤسسة أليكساندر سوروس، التي تعترف بالمدافعين عن البيئة بجائزة سنوية، وباتريك ويل، رئيس منظمة مكتبات بلا حدود، هو زميل باحث في المركز الوطني للبحوث العلمية وأستاذ زائر في كلية الحقوق في جامعة ييل.«بروجيكت سنديكيت، 2017»بالاتفاق مع «الجريدة»