كونوا على ثقة... نخوض اليوم حرباً في سورية
يحدث أمر غريب للرؤساء الأميركيين بعد تسلمهم منصبهم في 20 يناير، فعلى سبيل المثال عاد هامش الفوز الكبير الذي حققه أوباما عام 2008 على الأرجح إلى ظهوره بمظهر مرشح السلام، بخلاف خصمه السيناتور جون مكين، ولكن انتهى به المطاف إلى التوغل أكثر في أفغانستان، والخروج من العراق للعودة إليه، والتدخل في سورية، وإحداث تغيير كارثي في النظام الليبي، فضلاً عن السماح للعلاقات مع موسكو بالتردي. على نحو مماثل استسلم ترامب للجنرالات بعدما تعهد بعدم التدخل عميقاً في الحروب الأجنبية، ويؤكد له جنرالاته أن الفوز في الحروب لا يتطلب سوى إنزال المزيد من الجنود على الأرض ومقدار أكبر بقليل من الوقت والجهد لنشر الاستقرار، إلا أن كل هذا ما هو إلا صيغ متعالية لسياسات سبق أن أخفقت.نصل بعد ذلك إلى الأعداء الدائمين مع احتلال إيران أعلى القائمة، فيما تؤدي روسيا والصين دوراً مسانداً، يُشار إلى هذا الوضع بـ"الدين المدني" الأميركي، إلا أننا نستطيع أن ندعوه أيضاً "التفرّد الأميركي" أو "قيادة العالم الحر" أو حتى "مسؤولية الحماية"، لكن الوقائع تُظهر أن إجماعاً واسعاً نشأ في الولايات المتحدة يسمح بحركة التدخل المتتالية التي قلما تصطدم بصيحة احتجاج من الشعب الأميركي.
أمضى ترامب في سدة الرئاسة خمسة أشهر، ويبدو أن بعض الخطوط العريضة على الأقل في سياسته الخارجية بدأ يتجلى، ولكن قد تُعتبر هذه مغالاة لأننا نعجز عن تحديد المسؤول، ولا ينطبق شعار "الولايات المتحدة أولاً"، على ما يظهر، على التطورات التي نشهدها اليوم، بما أن مصالح الولايات المتحدة الفعلية لا تشكّل على ما يبدو القوة المحفزة وراء ما يحدث. بالإضافة إلى ذلك لم نرَ أي مبدأ بارز يرسم ردود الفعل تجاه الكثير من التحديات التي تواجهها واشنطن حول العالم. الوضع في سورية أكثر تعقيداً، إذ دق السيناتوران تيم كاين وراند بول ناقوس الخطر حيال التدخل الأميركي في هذا البلد، معلنَين أن التدخل العسكري الأميركي غير مشروع.تتعرض سورية راهناً لهجوم من القوات الجوية التابعة لست عشرة أمة تنشط في مجالها الجوي وتدعم إلى حد ما جهود الولايات المتحدة الهادفة إلى تغيير النظام.إذاً، رغم التعهد بالخروج من دوامة حروب الشرق الأوسط، تبدو الولايات المتحدة سائرة على درب التدخل المباشر في سلسلة من الصراعات المحلية من دون تحقيق "نصر" واضح أو رسم سياسة خروج محددة. إذا أطحنا بالأسد فماذا يأتي بعده؟ وماذا يكون رد فعل الروس؟ وهل يكتفي حلفاء الولايات المتحدة المزعومون، كتركيا، وإسرائيل، والمملكة العربية السعودية بتقطيع أوصال الدولة السورية أم أنهم سيصرون على المضي قدماً نحو طهران؟ ومَن سيملأ الفراغ؟ لا شك أن الثقوب السوداء في السياسة الخارجية الأميركية لا تقف عند هذا الحد، بل تشمل أيضاً القرار السيئ بالرجوع عن عملية التطبيع مع كوبا والخطوات الساخنة ثم الباردة ضد كوريا الشمالية، فضلاً عن ذلك توشك فنزويلا التي تُعتبر من أبرز مصدري النفط إلى الولايات المتحدة أن تنهار على نفسها، ولا يبدو أن وزارة الخارجية الأميركية تملك أي خطة طوارئ بغية احتواء هذه الأزمة. رغم ذلك تشكّل روسيا وسورية فئة قائمة بذاتها لأنهما من الممكن أن تتحولا إلى كارثتين من الطراز الأول، على غرار العراق أو ربما أسوأ. نصل بعد ذلك إلى إيران الكامنة، التي يكرهها على ما يبدو كل أصحاب النفوذ في واشنطن وترتبط ارتباطاً وثيقاً بما يحدث في سورية، فلا شك أن إيران قد تتحول إلى الكارثة التالية بالنسبة إلى البيت الأبيض الذي يتأرجح على ما يبدو بين الكارثة الأخرى، فماذا سيفعل ترامب؟ أخشى أن الدرس الذي استُخلص من الهجوم بالصواريخ الجوالة على قاعدة سورية في شهر أبريل كان: يلقى استخدام القوة رواجاً كبيراً ويجب تكراره عند الضرورة، ولكن هذا سيشكل خطأ كبيراً، إلا أن من الواضح أن بعض المحيطين بترامب يريدون التصعيد و"القيام بأمر ما" في سورية وضد إيران أيضاً كخطوة أولى، وإذا اعترضت روسيا سبيل هذه الخطة، يمكننا مواجهتها هي أيضاً.* فيليب غيرالدي* «أميركان كونزورفاتيف»