الكلام في وسائل الإعلام!
ظلت السينما نصف قرن منذ اختراعها تنفر من السرد الكلامي... وفي الأفلام الصامتة كانت عملية السرد تظهر في شكل عناوين أسفل الفيلم، إلا أن أعظم التميز كان من نصيب من يستطيع من المخرجين والمؤلفين الاستغناء تماماً عن هذه العناوين. ثم حدث في الأفلام الناطقة أن ظهر صوت من يروي، فكان يُستخدم بشكل منتظم في الصحف السينمائية والأفلام الإعلامية، والراوي كان عنصراً غير منظور، فهو صوت يتكلم من خارج المناظر المعروضة على الشاشة.
ومع تطور الزمن، حدثت قفزات نوعية جعلت من التلفزيون يقدم أناساً يظهرون كرواة وممثلين ومعلنين يروجون لسلع تجارية ومرشحين لمناصب يقدمون أنفسهم للجماهير ومحاضرين يشرحون ويفسرون. لأن السرد في التلفزيون يناسب الشاشة المنزلية أكثر من شاشة العرض السينمائي، فالوجه الضخم الذي يطل على المتفرج من شاشة السينما لم يكن يظهر طبيعياً ومريحاً على الشاشة المنزلية، إذ كثيراً ما يتحدث لمشاهدي الشاشة الصغيرة شخصيات معروفة على نحو هادئ خال من التكلف والمبالغة. وكذلك هو الحوار في الراديو الذي يدفع بسامعيه إلى الدخول في ميدان الانفعالات الإنسانية، وتنشيط وإيقاظ التفاعل مع الموضوع المطروح للنقاش.أما حوار الدراما الذي يسود في المسرح والسينما وفي التمثيليات الإذاعية فلم يعد ملائماً لمتابعي هذا العصر ممن اجتذبتهم وسائل الاتصال الاجتماعي عبر الأجهزة الذكية.والاتصال عبر الكلام السردي بالجماهير على نطاق واسع، سواء كان الجمهور متفرجاً أم قارئاً أم مستمعاً، وقد يكون في المنزل أو السيارة أو المسرح أو في أي مكان، فلكل إنسان لحظة معينة - بغضّ النظر عن محتويات لاشعوره - وهذه اللحظة تستطيع أن تلعب دوراً مباشراً في استقبال موضوع الاتصال الذي يثير في الإنسان بعض ما يهيج اهتماماته!ولا شك في أنكم سمعتم بالتمثيلية الإذاعية التي أخرجها أورسون ويلز عام 1938، والتي جعلت قطاعاً كبيراً من سكان مدينة نيويورك يتركون منازلهم هرباً، والبعض منهم ألقى بنفسه من الأدوار العليا ليصل إلى الأرض جثة هامدة!وهكذا تلعب الكلمة السردية في وسائل الاتصال دوراً لا يُستهان به في حياة المتلقين من الجمهور.