يعترف الموصليون بأن عمليات الإجلاء القسري التي يتعرض لها آلاف الأشخاص من «عوائل داعش»، تتم على يد عشائر سنية، غير أنهم يتهمون ميليشيات مقربة من طهران بتحريك هذا الملف، في وقت يستغربون صمت حكومة حيدر العبادي أمام عمليات قتل وتهديد واستيلاء على ممتلكات، تستهدف أفراداً متهمين بأنهم كانوا يناصرون «داعش» أو أقرباء لبعض عناصر التنظيم، رغم أن الحكومة تقول إنها تحتجز هذه الأسر «بهدف حمايتها» من الانتقام الاجتماعي.

ويقدر عدد العوائل المهجرة في كل مناطق النزاع بعشرة آلاف عائلة أي نحو ستين ألف شخص.

Ad

وفي أول رد فعل أممي على ذلك، قال بيان للمفوضية السامية لحقوق الإنسان في جنيف، إن التهديد بالإجلاء القسري له صلة باتفاقات عشائرية، ورُصد ذلك على مدى أشهر في الأنبار وتكريت وجنوب نينوى ومدينة الموصل.

ويذكر معارضو هذه الإجراءات أن عملية التهجير ستعني فقدان عدد كبير من الأطفال والنساء الصحة والتعليم، في عقوبة جماعية تنتهك القانون العراقي والدولي.

وفي وقت أوضحت مصادر أن الحكومة تجلي هذه العوائل إلى مراكز «تدقيق أمني» عبارة عن أماكن احتجاز غير معلوم المدة، بهدف حمايتهم من موجة انتقام ينفذها أشخاص لديهم ثأر مع «داعش» أو فقدوا ذويهم في الموصل، دعت الأمم المتحدة إلى نظام محاسبة قضائي وقانوني عادل ينهي موجة الانتقام المتصاعدة.

ومعظم حالات الإجلاء والانتقام المسجلة تنفذها فصائل مسلحة سنية متحالفة مع الميليشيات الشيعية، وتتلقى تشجيعاً من أجنحة مقربة من رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وإيران، حسب مصادر على صلة بالحكومة.

وتقر هذه المصادر بأن العبادي يعجز حالياً عن منع حالات الانتقام، لأنه لم يتمكن من معالجة نفوذ الميليشيات وخططها، وهو ما يعني أن هذا الملف ليس مجرد فعل انتقام خطير، بل هو جزء من المواجهة بين سيادة الدولة وفوضى الميليشيات، كما أنه محاولة من الجناح الشيعي المتطرف للتدخل في رسم المستقبل الأمني والسياسي للموصل.

ولا تمتلك الحكومة أماكن احتجاز مناسبة، إذ تضع العوائل المحتجزة في مخيمات مغلقة لا تتوفر فيها أدنى الظروف الحياتية المناسبة، في وقت وصف ناشطون هذا الملف بأنه يصنع بيئة مثالية لتطرف جديد، ويمهد لاستئناف دوامة العنف.

ويتعقد الأمر سياسياً واجتماعياً، لأن الكثير من عوائل «داعش» تبرأت من أبنائها الدواعش، كما أن هناك انقساماً حالياً بينها، إذ يقاتل أحد أفرادها إلى جانب التنظيم المتطرف، في حين يقاتل شقيقه إلى جانب القوات الحكومية.

وتعد الموصل أكبر مدينة ذات أغلبية سنية في العراق، وتحظى برمزية تاريخية عالية في المنطقة، ويدور جدال واسع حول سيناريوهات الإدارة والأمن فيها، وسط دعوات لعدم تكرار الأخطاء السابقة التي سهلت ظهور التمرد المسلح وتنظيم داعش، ويمكن لسياسة الانتقام وغياب نظام العدالة على يد العشائر والميليشيات المقربة من إيران، أن يؤثرا على صياغة المستقبل الأمني.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، دعا رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني العشائر العربية في الموصل إلى الاستفادة من تجربة الأكراد عام 1991، حين سيطروا على المدن الشمالية، وتعاملوا بتسامح مع الأكراد البعثيين الذين تعاونوا مع نظام صدام حسين، بهدف عدم خلق فتنة اجتماعية.

ويكافح حيدر العبادي لتعزيز هيبة المؤسسة العسكرية في مواجهة نحو 50 ألف مسلح معظمهم شيعة يوالون إيران ضمن تشكيلات الحشد الشعبي، وكثيراً ما يخرقون القانون، ويدخلون في مواجهات مع القوات الحكومية، مرشحة للتصاعد بعد انتهاء معارك الموصل، واقتراب فصل الانتخابات خلال الأشهر المقبلة.