«الشر في الأحداث الدرامية هو العنصر المؤثر الذي يحرك الصراع دوماً، بل يرفعه إلى الذروة»، هكذا ترى الناقدة ماجدة خير الله، مشيرة إلى أن النموذج الطيب الوفي لا يؤثر بالدرجة نفسها في سير الأحداث.

وتضيف الناقدة: «يقلب هذا النموذج الأحداث رأساً على عقب، ودونه لن نشاهد مسلسلاً من الأساس، مثل شخصية ليلى في «لأعلى سعر» التي دمرت حياة صديقتها وحاكت المؤامرات ضدها، كذلك أحكمت قبضتها على الآخرين من حولها، ما يعني كثيراً من التشويق وردود الفعل، بينما الشخصية الطيبة الوفية لا تتحكم في الأحداث بالشكل أو الدرجة نفسيهما».

Ad

وترجع خيرالله تعاطف الجمهور، خصوصاً النساء، مع شخصية الصديقة الخائنة إلى جودة صياغة الدور وقدرة زينة على تجسيده بشكل جيد، فضلاً عن أن النساء عادة لديهن رغبة في عيش دور الضحية المظلومة التي تعاني.

وتؤكد خيرالله أن تكامل عناصر العمل، سواء على مستوى الكتابة أو التمثيل، يساهم في نجاح تلك النماذج ويزيد حالة الجدل حولها.

الناقدة حنان شومان ترجع حالة التفاعل مع النماذج الشريرة إلى كون الجمهور ينجذب دائماً إلى النماذج الغريبة غير المألوفة، خصوصاً أبطال الخيانة الزوجية، ما يحرك حفيظة النساء عادة، خصوصاً لو كن عانين المصير نفسه. في المقابل، لا تحظى الشخصيات الطيبة بالقدر نفسه من الإعجاب، لا سيما لو كانت صديقة وفية و»جدعة» وملجأ لصديقتها، بوصف هذا النموذج هو السائد والطبيعي. باختصار، غير المألوف هو الأكثر لفتا للأنظار في الدراما التي هي انعكاس للواقع، والصراع بين الخير والشر قائم منذ قابيل وهابيل وأول جريمة عرفتها البشرية، وهذا النوع من الحراك يجذب الناس لمشاهدته كونه يخرج ما لديهم من مشكلات مشابهة، خصوصاً النساء اللواتي يشعرن بأن الدراما أنصفتهن وردت لهن اعتبارهن، وهو ما لا يتحقق عادة في الواقع، فكم من نماذج جميلة عانت الخيانة ولم تنصفها الحياة وما زالت تعاني!».

وتتفق شومان مع خير الله في أن جزءاً كبيراً من نجاح تلك النماذج يرجع دوماً إلى أداء الممثلين وتميزهم، كذلك إلى جودة النصوص نفسها التي قدمت من خلالها تلك النماذج، مؤكدة أن الدراما المصرية تتميز بالعناصر الفنية الجيدة سواء تأليفاً أو تمثيلاً وإخراجاً.

رأي الطب النفسي والاجتماع

يفسر استشاري الطب النفسي د. جمال فرويز حالة اتحاد الجمهور مع النماذج غير المألوفة، خصوصاً المظلومة، بأن الجمهور عاطفي بطبعه، ويكره التصرفات الشريرة حتى لو كان يمارسها، من منطلق أن الجميع لا يعترف بخطئه».

ويوضح أن مشاهدة تلك النماذج عبر الدراما يجعل الجمهور يتعاطف معها وينتظر الانتقام منها، خصوصاً مع صعوبة تحقق هذا الأمر في الواقع، بينما النماذج الخيرة الوفية يعتبرها الجمهور عادية ومألوفة».

ويعتبر فرويز أن الإنسان لا ينتبه لأمر سيئ لديه إلا عندما يراه في الآخر، ويقول: «بعض النساء اللاتي تابعن خيانة الصديقة صديقتها ربما بينهن من خانت صديقتها لكنها عندما ترى الأمر على الشاشة تكره تصرف الخيانة، بينما لا يستفزها نموذج الصديقة الوفية أو يحثها على الوفاء مثلا».

ولا تختلف د. سامية خضر، أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس، مع ما طرح سلفاً، «فالتفاعل مع النماذج الشريرة درامياً يكون أكثر من غيرها}، مشيرة إلى اختلاف رؤية كل جيل معها، خصوصاً الخيانة الزوجية، {فمثلا القاعدة لدى الجيل القديم من أمهاتنا أن الرجل يخون، ويفعل ما يحلو له وفي النهاية يعود إلى أحضان زوجته المستكينة، فيما لدى الجيل الحالي من الشابات قدر كبير من الوعي والاستقلالية والتعليم، جعلهن أكثر رغبة في الثأر، وهو ما يمكن تلمسه من ردود الفعل مع طرح تلك النماذج درامياً».

خضر ترى أن حالة الصراع هي أكثر ما يجذب الإنسان، فالأمر الصعب وغير المألوف يتفوّق بالمتابعة على الأمر اللين السهل، والخيانة كانت الأبرز درامياً هذا العام، وطبيعة فضول الإنسان تشعل رغبته في معرفة من سيكسب المعركة في النهاية.