دخل مشروع مدينة الحرير وتطوير الجزر الكويتية حلقة جديدة ضمن سلسلة المحاولات الحكومية لإحداث إصلاح اقتصادي في البلاد، بعد حلقات متعددة بعضها لم ينجح، أو على الأقل طال انتظار نتائجه، مثل خطتي التنمية "1 و2"، وتحويل الكويت إلى مركز تجاري ومالي، وبعضها لم يتسق مع واقع الاقتصاد المحلي كخطة الإصلاح الاقتصادي والمالي، ورؤية الكويت 2035.

ورغم أن مشروع "الحرير- الجزر" يبدو أكثر مهنية من العديد من المشاريع السالفة الذكر من جهة استهدافه المعلن للمحاور التي تصب فعليا في مصلحة تصويب العديد من اختلالات الاقتصاد الكويتي، كتحقيق ناتج محلي إجمالي بنحو 35 مليار دولار سنوياً، إلى جانب توفير نحو 200 ألف فرصة عمل، واستقطاب استثمارات أجنبية مباشرة بنحو 1.5 إلى ملياري دولار سنوياً مع تقديم معلومات أكثر تفصيلاً عن توقعات أحجام السياحة والتجارة والحركة الجوية والتركيبة السكانية حتى موارد الطاقة من المياه المحلاة والطاقة الشمسية، فإن هناك بوادر لا تشجع على الإفراط في التفاؤل تجاه هذا المشروع.

Ad

الديوان الأميري

أولى هذه البوادر غير الإيجابية تتمثل في أن مسوق المشروع هو وزير الديوان الأميري وليس مجلس الوزراء المكلف إدارة الدولة، مما يشير إلى استمرار سياسة توسع حصة الديوان الأميري في مشاريع الدولة، والذي تشير ميزانية عام 2016- 2017 إلى أن ميزانية مشاريعه الإنشائية السنوية توازي 40.8 في المئة من نظيرتها في وزارة الأشغال، وهي الوزارة التي يفترض بها تنفيذ أي مشروع مهما بلغ حجمه، واللافت أن مصروفات الديوان تضاعفت 9 مرات خلال 15 عاماً، رغم أن ميزانية الدولة نمت في الفترة نفسها 3.5 مرات.

فمشروع بحجم "الحرير- الجزر" لا يمكن تنفيذه خارج الجهاز التنفيذي للدولة بحجة سرعة التنفيذ، ليس فقط لأن إشراف الديوان الأميري عليه يؤكد الخلل في الجهاز التنفيذي وعدم الرغبة في تطويره أو إعادة هيكلته ليقوم بدوره المفترض، أو أنه يرسخ كذلك الانطباع بأن النجاح في المشاريع يتطلب مستويات أقل من الرقابة والشفافية، بل لأن مستهدفاته الاقتصادية الخاصة بالناتج المحلي وفرص العمل واستقطاب الاستثمارات الأجنبية تتطلب متابعة ورقابة سياسية وفنية يعتريهما الكثير من الحرج حال إخضاع المشروع لسلطة الديوان الأميري.

دولة أعلى

عند الاطلاع على القانون المقترح لمشروع "الحرير- الجزر" نجد أنه يخلق دولة أعلى من الدولة الأصل (الكويت) عبر منح مجلس الأمناء الذي يشكل غير الكويتيين 75 في المئة من أعضائه صلاحيات غير مسبوقة، مثل الإعفاء من قوانين الكهرباء والشركات والرسوم والعمالة الأجنبية وB.O.T والاستثمار المباشر، فضلاً عن رقابة ديوان المحاسبة والمراقبين الماليين وهيئة مكافحة الفساد، إلى جانب صلاحية التثمين وترسية المناقصات والاقتراض وإصدار السندات!

هذه الصلاحيات وصفها النائب الوزير السابق أحمد باقر ذات مرة بأنها لا تتوفر حتى لمجلس الوزراء نفسه، ومن ثم فإن إمكانية متابعة ومحاسبة عمليات الهيئة المديرة للمشروع في ظل الصلاحيات والإعفاءات الممنوحة لها شبه مستحيلة، فضلاً عن أنها تسوق فكرة أن خفض الرقابة والمتابعة وتوسيع الصلاحيات سيؤديان إلى إنجاز مشاريع استثمارية واقتصادية ناجحة، وهي فكرة لم يثبت أبداً نجاحها حتى في الدول الخليجية التي اتجهت إلى سوق الديون سريعاً، مع بدء تراجع أسعار النفط، إذ لو كانت المشاريع المحدودة الرقابة فعلاً ناجحة فيها لوفرت تدفقات نقدية ونتائج اقتصادية شكلت وسادة مالية ولو لفترة معينة قبل اللجوء للاقتراض.

رؤية بلا آليات

ارتكز مشروع "الحرير- الجزر" بشكل أساسي على رؤية الكويت 2035 التي تم إعلانها بزخم إعلامي كبير دون آليات تنفيذ تضمن تحقيق أي قدر من النجاح، كإلزام مشرفي الرؤية بتقديم بيان فصلي وسنوي يتضمن ما تم إنجازه، ومقارنة المنجز بما تم التعهد به لاستعراض الخطوات أو المعوقات مع بيان التكاليف المالية لمعرفة أوجه النجاح أو الانحراف في تنفيذ أي مشروع، فضلاً عن ربط الرؤية بأهداف الميزانية العامة من حيث خفض المصروفات وتنويع الدخل وخلق الوظائف، إضافة إلى تحسين الخدمات، فلا معنى للحديث مثلاً عن بناء مشاريع في ظل تضخم الإنفاق في غير مصلحة الميزانية السنوية.

كما أن رؤية 2035 لم تهتم بربط الأداء بالمؤشرات العالمية كمؤشرات التنافسية الدولية مثلاً في مجالات تطوير بيئة الأعمال وجودة التعليم وكفاءة سوق العمل والبنى التحتية والحرية الاقتصادية وغيرها من المؤشرات التي يفترض أن تصب في اتجاه دعم مشروع "الحرير- الجزر".

يمكن للمشروع أن يكون بمنزلة الاقتصاد المساند لاقتصاد النفط الأساسي، الذي يعاني منذ 3 سنوات تقلبات ومصاعب وتحديات على صعيد الأسعار والقيمة الاقتصادية والعرض والطلب، كما يمكن حتى بسبب وجوده شمال الكويت أن يخلق منطقة مصالح اقتصادية للعديد من الدول والشركات في العالم، مما يعطي الكويت أفضلية أمنية في مواجهة أي خطر إقليمي، فضلاً عن أن وجود منطقة اقتصادية تجارية كبرى في البلاد سيعمل على تشابك المصالح أكثر مع العراق وإيران، ويمكن أن تصل إلى آسيا الوسطى وشرق أوروبا، ولذلك فإن ضياع هذا المشروع عبر تنفيذه بشكل غير سليم سيضيع على الكويت فرصاً عديدة على الصعد الاقتصادية والسياسية والأمنية.