بعد قرابة خمسة أشهر من التحقيق في ظاهرة تفشي المخدرات بالمدارس والسجون، بناء على تكليف من مجلس الأمة، اختصرت لجنة الظواهر السلبية البرلمانية أسباب هذه الظاهرة وحلولها في تقرير من أربع صفحات فقط.

تقرير اللجنة ذكر أنها التقت مسؤولين من عدة جهات حكومية، منها وزارات الداخلية والصحة والشؤون الاجتماعية والإعلام والإدارة العامة للجمارك وجمعية بشائر الخير، غير أن نتائج هذا التقرير لا ترقى إلى أهمية التكليف، إذ اكتفت بذكر توصيات مكررة في أي نقاش عن ظاهرة تفشي المخدرات في المجتمع.

Ad

وخلا تقرير اللجنة، الذي رُفِع إلى مجلس الأمة لمناقشته، من أسباب تفشي المخدرات في المدارس والسجون، ولم يفسر كيفية دخولها إلى عقر المؤسسة الأمنية بين نزلاء السجن، ولم يجب عن صحة ما يتداول دائماً بشأن تورط عسكريين في الاتجار بها، ولماذا يسير الطلبة في هذا الاتجاه؟ وأين دور الأسرة في توعية أبنائها من خطر المخدرات؟ إلى غير ذلك من الأسئلة التي تحتاج إلى أجوبة مدعمة بإحصائيات ودراسات ولقاءات، توطئة لوضع الحلول، خلا التقرير من كل هذا وجاء بحديث إنشائي، متعجلاً وضع «توصيات» دون تطرق إلى الأسباب، حتى يتسنى للنواب معرفتها قبل اتخاذ أي موقف.

فعلى سبيل المثال، من التوصيات التي طرحها التقرير «اتخاذ جميع إجراءات الوقاية لمنع تلك الظاهرة، ومنها تكثيف برامج وندوات ومؤتمرات للتوعية بوسائل الإعلام»، ولكن تلك الإجراءات تتطلب أولاً معرفة الثغرات، التي أغفلها التقرير ولم يتطرق إليها.

ومن التوصيات الأخرى، «زيادة مراكز علاج الإدمان وتوفير العدد اللازم من الأطباء وهيئة التمريض والاختصاصيين والسماح للقطاع الخاص بالمساهمة»، وهو ما يطرح تساؤلين مهمين: هل الزيادة نابعة من ارتفاع أعداد المتعاطين أم أن ما هو قائم اليوم في الدولة لا يؤدي أعماله بالكفاءة المطلوبة؟ وأين الخلل في تلك المراكز؟

وكان لافتاً أن هناك توصية تحمل رائحة «العنصرية» ضد الوافدين، والتي تقول بضرورة «توجيه أجهزة المكافحة إلى تعزيز مكافحة الظاهرة من مصدرها، وذلك بتشديد الرقابة على الوافدين»، علماً أن كثيراً من ضبطيات المخدرات يقف وراءها تجار مواطنون، فماذا عن التاجر المحلي الذي يدفع للوافد لاستيراد المخدرات إلى الكويت؟

كما لم تختف عن توصيات «الظواهر السلبية» الصبغة الدينية، إذ طلبت اللجنة «تقديم حوافز للمتهمين والمحكوم عليهم إذا تبين من سلوكهم الإقلاع عن تلك الظاهرة، ومنها تفعيل النص الخاص بعدم إقامة الدعوى الجنائية ضد مَن يتقدم من المتعاطين، من تلقاء نفسه، للعلاج، والعفو عن بعض مدة العقوبة للمحكوم عليه الذي يثبت حسن سيره وسلوكه وحفظه لكتاب الله كله أو بعضاً من أجزائه، وإعادة البرنامج التأهيلي لحفظ القرآن، مع استفادة من يجتازه من العفو المنوه عنه كما كان في السابق»... فهل يعد حفظ القرآن سبباً كافياً للإفراج أو تخفيف العقوبة عن المتعاطي أو التاجر الذي كان له دور خطير في تدمير المجتمع وقيمه؟ وماذا إذا عاد هذا السجين إلى سلوكه السابق بنشر المخدرات بين فئة الشباب وتسبب في مزيد من الوفيات؟ من يتحمل المسؤولية عندئذٍ؟ فرغم أن لعلاج التعاطي، جانباً دينياً، فإن الجانبين العلمي والعملي في هذا العلاج أكبر، وهو ما غاب عن اللجنة وأعضائها.

ظاهرة انتشار المخدرات ليست محلية فقط، بل هي عالمية تكاتفت الكثير من المنظمات الدولية والدول لمكافحتها، فآثارها لا تقتصر على التسبب في وفاة أشخاص، بل ينتج عنها تدمير شعوب وانهيار دول، بالتالي فإن التعامل معها محلياً يجب أن يكون بمسؤولية أكبر، لا بتقرير إنشائي أُعِد على عجالة رغم الفترة الطويلة التي استغرقها في «التحقيق».

نتيجة التقرير الأول لـ»الظواهر السلبية» كشف أن اللجنة لم تحقق الأهداف التي ذكرها مقدمو طلب إنشائها، ويبدو أن مناقشة ظاهرة المخدرات - وتحديداً بهذه الصورة - ليست إلا ذراً للرماد في العيون، لتتدخل أكثر في قضايا الحريات والشخصية، ولتبين أن تشكيلها لا يستهدف حريات المجتمع بل يشمل أكثر من اتجاه.

من التكليفات الأخرى للمجلس لـ«الظواهر السلبية»، دراسة تفشي ظاهرة الرشوة داخل المؤسسات العامة والخاصة، وكذلك الغش في المدارس والجامعات وسبل علاج هذه الظاهرة المدمرة للتعليم، فهل تبسط اللجنة تلك القضايا الكبيرة بتقارير لا تتعدى الأربع صفحات قياساً إلى تحقيق المخدرات أم ستعيد ترتيب أوراقها جدياً، خصوصاً فيما يتعلق بالرشوة، بحيث تضع الحقائق كاملة أمام المجلس لمناقشتها؟