كيف استقبلت الفوز بجائزة الدولة التشجيعية؟
كنتُ خارج المنزلِ عندما تلقيت اتصالاً من المجلس الأعلى للثقافة يبلغني بالخبر، وجائزة الدّولة التشجيعية هي جائزة ذات حيثيّة رفيعة وأهمّيّة أدبيّة بالغة، وأنا سعيدة لنيلِها، خصوصاً عن ديوان «ذاكرة نبيّ لم يُرسل»، هذا الدّيوان الذي سيظلّ قريباً إلى قلبي كعلامة مُهمّة في سياقِ تجربتي الخاصّة.
اللجنة مستقلة
ولكن أثير جدل كبير حول منحك الجائزة كونك أحد أعضاء لجنة الشعر؟تقدّمت بـ «ذاكرة نبيّ لم يُرسل» للفحص بين الأعمال المُتقدّمة لنيل جائزة الدّولة التشجيعيّة في أوّل يومٍ تمّ فتح باب التقدّم لها، لم أكُن عضواً في لجنة الشِّعر آنذاك، كما أنّ لجنة الشِّعر هي لجنة مستقلّة لا علاقة لها بلِجان فحص الجوائز ولا بتشكيل تلك اللجان. لم يفُز جميع أعضاء لجنة الشِّعر بجائزة الدّولة التشجيعية وغيرها من جوائز الدّولة وهم أعضاء في لجنة الشِّعر منذ سنوات طويلة. هذه نِقاط مهمة لا بدّ من الالتفات إليها، لكن من اعتاد الهجوم لمجرّد الهجوم لا يعرف المنطق ولن يخلو جيبه من التبريرات اللانهائيّة لموقفه. لذلك عندما بدأ الهجوم، بالتحديد، بعد إعلان أسماء الأعمال الفائزة بجوائز الدّولة، كنتُ أجهِّز لغلاف مجموعتي الجديدة، وما زلتُ أعمل على الانتهاء منها لتصدر قريباً.شكوك وشبهات
يرى البعض أنك حصلتِ على الجائزة من دون وجه حق، وثمة من يطالبك بأن تتنازلي عنها، لأنها حتى وإن لم تكن بها شبهة قانونية، فإنها تسيء إليكِ أدبياً. ما رأيك؟حقّ الرأي مكفول للجميع، وتذوّق الشِّعر والتعاطي معه يرتبطان ارتباطاً وثيقاً بالموروث الثقافيّ للمُتلقّي وبالذائقة الفرديّة، وهو أمر لا يُمكن وضع مِعيار عامّ له. «ذاكرة نبيٍّ لم يُرسل» حصلَ على جائزة الدّولة التشجيعيّة عن طريق تقييم لجنةٍ مكوّنة من كُتّاب ومُثقّفين لهم قيمتهم ومنجزهم المُهمّ وهي جائزة تُعبّر عن رؤية تلك اللجنة ولا تُعبّر عن الرّأي العامّ وهذا ما يعنيني. طعن البعض في موهبتك، مؤكداً وجود تجارب أخرى أكثر عمقاً من تجاربك وأحق بالجائزة منك. كيف تردين على ذلك؟لا شكّ في أنّ ثمة تجارب مُهمّة، وشُعراء مجتهدين، لكنّ الجائزة يحصلُ عليها العمل الأجدر بين الأعمال التي يتقدّم بها أصحابها سنوياً، لذلك فالعمل الفائز هذا العام ليس هو الأهمّ في المُطلق إنّما هو الأجدر بين الأعمال المُتقدّمة في الدّورة التي أُعلنت نتائجها في عامٍ مُحدّد.المؤسسات الثقافية والرواية
كيف ترين واقعنا الثقافي، ودعم المؤسسات الثقافية باعتبارها واجهة حضارية للبلاد؟تتراجع فاعليّة أداء المؤسّسات الثقافيّة بشكلٍ ملحوظ ومؤسف، حتى أنها تساهم مباشرة في إفساد الذائقة العامّة وتهديد الثقافة الجماهيريّة، ذلك أنّها تقبل بالخضوع تحت طائلة الفساد الحكوميّ وتعجز عن المواجهة وخوض معارك الإصلاح، فلو أنّ القيمين على هذه المؤسسات يحملون على عاتقهم مسؤوليّة حقيقيّة تجاه هذه الشعوب البائسة لتنازلوا عن عروشهم ومهّدوا الطريق أمام جيلٍ جديد من شباب يمتلكون من الوعي والطاقة ما يؤهّلهم لحمل لواء الدّفاع والتصدّي للغزو الفتّاك الذي يستهدف هويّة العربيّ ويعمل على إنهاك قواه الثقافيّة والمعرفيّة. اليوم لا تستطيع أن تجد منصّة ثقافيّة معرفيّة تجتمع الآراء على نزاهتها ولا أن تجدَ مجلّة أو جريدة واسعة الانتشار، نزيهة المبادئ، عظيمة القيمة تختصّ بنشر الإبداع العربيّ أو حتى المصريّ خصوصاً.انضممت إلى نادي الشعراء الذين يكتبون الرواية، هل هي مجاراة لما أضحى سائداً، أي توجه الشعراء إلى الرواية، أم أن ثمة دوافع أخرى؟ينتمي الشّاعر إلى الفنّ أوّلا وآخيراً... لكنّه يُخلصُ للشِّعرِ ويقفُ مُدافِعاً عنه، أنا لم أنضمّ أو أنتَمِ إلا إلى الفنّ. سأظلّ أُخلصُ للشِّعرِ وأحمِلُه قيمةً ورسالة. كتبتُ روايةً وحيدةً لأنّني كنتُ في حاجة إلى التخفيف من أزمةٍ كانت توشكُ أن توقِعَني في فخّ التكرار، وهذا لا يعني أنّني أتركُ الشِّعرَ وأتّجه إلى الرّواية، ولا يعني كلامي كذلك أنّني ضدّ كتابة الرّواية أو الجمع بين الشّكلين... لكنّني الآن أرى أنّ مشروعي الحقيقيّ لا يلوح فيه طيف محاولة جديدةٍ لكتابة الرّواية.كيف ترين الهجرة إلى الرواية من الشعراء؟ ومتى تكون هجرة ملحة وليست بحثاً عن الأضواء والاهتمام؟لستُ ضدّ أية محاولةٍ جادّة لإضافة علامةٍ مُهمّة في أيّ شكلٍ من أشكال الفن، ما دام صاحب المحاولة يجتهد ويُجاهد من أجل قيمةٍ حقيقيّة، ولا أعتقدُ أنّ الشّاعر الحقيقيّ أو الفنّان الواعي ستشغله مسألة الأضواء أو الانتشار إلى الحدّ الذي عنده يفقد إيمانه بالقيمة والقضيّة الحقيقيّة.مفهوم الشعر
في رأيك، هل تغير مفهوم الشِّعر في عصرنا الراهن؟الشِّعر الحقيقيّ سيظلّ مُحتفظاً بمفهومه وحافظاً رسالتِه، حتى وإن تغيّرت الأشكال وتطوّرتِ الرّؤى. كلّ ما في الأمر أنّ جمهور الشِّعر الحقيقيّ دائماً قليل بالنسبة إلى العدد، وهذه هي الحال منذ ميلاد فنّ الشِّعر، فجمهور الأخير خاصّ جداً يتميّز باختلاف الرؤية والذائقة الرفيعة. أمّا اليوم، وفي ظلّ هذا الانفتاح الهائل على الوسائل التكنولوجيّة الحديثة والغزو الفضائيّ واستعمار المادّة وفجاجة سيطرة الخرافة، أصبح جمهور الشِّعر يقلّ أكثر فأكثر... أضِف إلى ذلك أن هذا الزّمن كما قال المُفكّر المُهمّ بورخيس هو أزهى عصور الاضمحلال الثقافيّ، فكلّ ما هو ذي طابعٍ شعبويٍّ وضحل يحتلّ المراتب الأولى من جهة التقبل الجماهيريّ، وهذا ينطبق على جميع أشكال الفنون الأصيلة سواء كانت موسيقى، أو فنّاً تشكيلياً، أو مسرحاً، أو سينما، أو كتابة. ولكن كلّ هذا لم يؤثّر في وجود الشِّعر الحقيقيّ أو يهدّده، الشِّعر الحقيقيّ موجود وسيظلّ موجوداً حتى وإن قلّ عدد جمهوره أو عدد المدافعين عنه من شُعراء ونُقّاد. في رأيك هل يكفي المضمون وحده ليشكل إبداعاً شعرياً؟القصيدة تُبنى بالمضمونِ والشَّكل معاً، وليس بأحدِهما من دونَ الآخر، ومن يتمكّن من تحقيق المُعادلةِ بينهما فقد أوتِيَ مِنَ الشِّعرِ حظّاً عظيماً.هل تضعين نفسك موضع النقد بعد كل موقف وكل قصيدة؟الشّاعرُ إنسانٌ يسعى إلى تحقيق العدالة والخير والجمال، يبحث عن الكمال في كلّ خطوةٍ وفي كلّ شيء، فكيف تكون الحال عندما يواجه نفسه، ويُراجع دفاتره الخاصّة. لا يعرف الشّاعر الاطمئنان ولا يستريح لفِكرةٍ أو موقف واحد. الشّاعر هو الرّوح الأكثر قلقاً وشَكّاً.المناطق المحظورة
لا تعترف الشاعرة سلمى فايد بأن ثمة مناطق محظورة في الشعر وتقول: «الشَّاعرُ لا يعرف الممنوع، ولا يعترف بالسّائد أو التقليديّ، كلّ أزمةٍ حقيقيّة تنتجُ عنها قصيدة جيّدة لا بدّ من الاحتفاء بها وتقديرها من دون الرّجوع إلى قائمة الأعراف والممنوعات».وعن الأمور التي أثّرت في كتاباتها تذكر: «تأثرت بكلّ ما هو فنّ حقيقيّ يتأثّر به الشّاعر ويتعاطى معه، إمّا أن يُساهمَ في أزمته الخاصّة أو يُغذّي فيه الوعي بالجمال، وكلّ هذا يصبّ في صالح القصيدة».