مع فنجان الذكريات (2)

نشر في 07-07-2017
آخر تحديث 07-07-2017 | 00:08
 أ. د. فيصل الشريفي ذكرت في المقال السابق رغبتي في عدم الكتابة عن عالم السياسة رغم سخونة الأحداث المحلية والإقليمية، وكأنني أطلب لنفسي الراحة أو على الأقل لأقف بين جموع المتفرجين أراقب وأتابع عن بعد، لعل الله يرفع الغمة عن خليجنا الغالي.

سأعود لأكمل أحداث مقالي السابق، والتي قد لا تكون مهمة عند الكثيرين، لكنها تمثل جزءاً من حياتي اليومية، ففي اللحظة التي توقفت فيها عن الكتابة لشرب فنجان القهوة، ونزولاً عند رغبة عائلتي في متابعة أحداث القصة التي بدأت مع خطأ بسيط باسم المدينة لكنه امتلأ بالأحداث المتسارعة، والتي شارفت على النهاية، فبعد عناء وصلت إلى مركز مدينتي تقريباً الساعة الحادية مساءً، ولا بد لي من السير مشياً على الأقدام للوصول إلى منزلي لعدم وجود أي نوع من المواصلات بعد ذلك الوقت، فبالرغم من قصر المسافة التي تفصل منزلي عن مركز المدينة (ثلاثة كيلو مترات أو أقل) لكنها بدت بعيدة جداً وكأنها مارثون من شدة البرد والإعياء.

يوم الاثنين ذهبت إلى مقر الدراسة في مستشفى ناين وليز أحد أكبر مستشفيات أسكتلندا، وبالمناسبة صاحبي هذا يدرس معي في القسم نفسه، توجهت إليه محاولاً الاعتذار عما حصل لكنه أشاح بوجهه عني، فحاولت السلام عليه لعله لم يسمعني بالمرة الأولى لكنه أصر على موقفه، فتركته ومضيت في حال سبيلي.

ظروف صاحبي لم تكن أفضل حالا مني، فقد ظل ساعات ينتظر وصولي، وأعتقد أنه لم يحسن التصرف منذ البداية، حيث كان بمقدوره ترك سيارته والرجوع بتاكسي، فهو من عائلة ميسورة ويعمل طبيباً، على العموم ليس من حقي البحث عن سبب طلبه مني ذلك.

لم تكن أحداث القصة لتنتهي دون هذه المفارقة العجيبة، فالشركة التي نقلت سيارتي هي نفسها التي أقلت سيارة صاحبي وبالمناسبة صاحبي هذا من النوع الحريص، فقد كان في انتظار وصول سيارته لمكان التصليح، ولأن الله سبحانه يسير الأمور بقدر، فقد وصلت سيارتي قبل سيارته للكراج نفسه، حيث تعرف عليها وسأل عن سبب وجودها ليعرف بعد ذلك سبب خذلاني له.

أجمل ما يمكن فهمه من هذه القصة الابتعاد عن سوء الظن بالتماس العذر لصاحبك، والأخذ بنصيحة الأمام علي بن أبي طالب، رضي الله عنه "احمل أخاك على سبعين محملاً"، وتيقن بأن الله كفيل بكشف الحقيقة ورفع الظلم مهما كان صغيراً أو كبيراً، فكيف لا وهو أعدل العادلين؟

أسأل الله لي ولكم الابتعاد عن سوء الظن، وألا نسمح لأنفسنا في تأويل ما لا يمكن تأويله، وليس أمام الإنسان إلا أن يتعامل مع البشر كما يريد الله باللين وصفاء النية، وألا نتعامل مع الناس كردة فعل، فصفاء النية أكرم لصاحبه.

عن عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: ((ألا أخبركم بمن يحرم على النَّار، وبمن تحرم النَّار عليه؟ على كلِّ هيِّن ليِّن قريب سهل".

ودمتم سالمين.

back to top