يعتبر كثيرون من مؤيدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أن السيادة تشكّل المسألة الرئيسة في هذه الخطوة، فلا تتوافق عضوية الاتحاد الأوروبي مع تحديد المصير، حسبما يحاججون، فتشكّل بريطانيا إحدى أعظم القوى العسكرية والاقتصادية في العالم، ويمكنها المضي قدماً بمفردها. في المقابل يرد داعمو البقاء في الاتحاد الأوروبي بأن السيادة تُجمع في عصر العولمة هذا، وكما ذكر ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطاني السيئ الحظ، يتمسك مؤيدو الخروج "بوهم" السيادة: ستحصل بريطانيا على الاستقلال على حساب القوة الفعلية.في اختبار أول لهذه الحجج، فصلت الأمم المتحدة في الثاني والعشرين من يونيو في النزاع القائم بين بريطانيا وجزر موريشيوس حول جزر تشاغوس، وهي أرخبيل صغير يتمتع بأهمية استراتيجية كبيرة في المحيط الهندي، فوقفت 94 دولة إلى جانب جزر موريشيوس، في حين دعمت 15 فقط بريطانيا، ويؤكد جاغديش كونجول، ممثل جزر موريشيوس في الأمم المتحدة، أن النتائج "فاقت" توقعاته، ومن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لم يصوّت إلا أربع مع بريطانيا، في حين صوتت واحدة (قبرص) ضدها وامتنعت 22 دولة عن التصويت، بما فيها حلفاء بريطانيا الأقرب مثل فرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وهولندا، وإسبانيا. يشير فيليب ساندس، محامٍ يمثل جزر موريشيوس: "شهدنا نزفاً حاداً في الدعم البريطاني، ويجب أن يشكّل هذا تحذيراً منبهاً".
تعود بداية هذا الخلاف إلى عام 1965، عندما اقتطعت بريطانيا جزر تشاغوس من جزر موريشيوس حين كانت لا تزال مستعمرة بريطانية، وأقرضت بريطانيا الجزيرة الكبرى دييغو غراسيا إلى الولايات المتحدة لتستخدمها كقاعدة عسكرية، ومنذ ذلك الحين تحولت هذه الجزيرة، التي تقع على مقربة من شرق إفريقيا، والشرق الأوسط، وجنوب شرق آسيا، إلى عنصر لا غنى عنه في القوات المسلحة الأميركية، حتى إنها أطلقت عليها لقب "موطئ قدم الحرية"، فقد منحتها سيطرة على المحيط الهندي، وشكّلت قاعدة لراميات القنابل الطويلة المدى التي ضربت أفغانستان والعراق، كذلك استخدمتها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "كموقع سري" لبرنامج التسليم الذي نفذته. لكن الاستيلاء على دييغو غارسيا لأغراض عسكرية أدى إلى ترحيل نحو 1500 تشاغوسي إلى جزر موريشيوس وسيشل خصوصاً، ولم يُسمح لهم بالعودة، علماً أن كثيرين منهم انتقلوا إلى بريطانيا، تدّعي جزر موريشيوس أن هذه الجزء تشكّل جزءاً من أراضيها، لذلك تريد إحالة النزاع إلى محكمة العدل الدولية. في المقابل تصر بريطانيا على حل هذا الخلاف بين الدولتين، وتدعمها الولايات المتحدة في موقفها هذا، لكن الجهود التي حشدتها الولايات المتحدة لتأييد موقف البريطاني أخفقت، بما أن وزارتها الخارجية تفتقر إلى الموظفين ورئيسها لا يحظى بثقة كبيرة، ولم تحقق الدبلوماسية البريطانية نجاحاً أكبر، فاسم بوريس جونسون "أثار الاستهجان أو الضحك في كل مرة ذُكر"، حسبما أفاد أحد الحضور، وفي إشارة سلبية تنبئ بفشل "الإمبراطورية 2.0" (الاسم الذي يطلقه المسؤولون البريطانيون على خطتهم لتعميق الروابط مع دول الكومنويلث)، دعمت غالبية مستعمرات بريطانيا السابقة موريشيوس أو امتنعت عن التصويت.ولكن يجب ألا نبالغ في عرض أهمية هذا التصويت، فهو يحيل القضية إلى محكمة العدل الدولية، التي لا تُعتبر أحكامها ملزمة، كذلك اعتبرت دول كثيرة هذا التصويت فرصة مناسبة للإساءة إلى الولايات المتحدة أو تعزيز دعمها لرفض الاستعمار، ولكن في عمليات التصويت المستقبلية التي تتناول مسائل أكثر أهمية تتعلق بالأمن القومي، ما زال بإمكان بريطانيا الاعتماد على دعم قوي من الاتحاد الأوروبي.رغم ذلك، يؤكد ريتشارد ويتمان، مدير مركز أوروبا العالمي في جامعة كنت: "يشكل هذا رنيناً خافتاً من ناقوس الخطر". فقد تواجه مناطق بريطانية بعيدة أخرى، مثل جزر فوكلاند، تحديات جديدة من مطالبين جدد بملكيتها. ويضيف ويتمان: "إذا كنت دبلوماسياً أرجنتينياً، فلا شك أنك ستعيد النظر في تقييمك للدعم الدولي الذي تحظى به بريطانيا".ستقدّم محكمة العدل الدولية على الأرجح رأياً استشارياً في هذه المسألة، مع أن قرارها لن يصدر قبل ربيع عام 2019. وبحلول ذلك الوقت، من المفترض أن تكون بريطانيا قد خرجت من الاتحاد الأوروبي، وقد تحظى جزر موريشيوس بشريك أكثر تعاطفاً في المفاوضات، فلطالما دعم جيريمي كوربين، زعيم حزب العمال، حقوق التشاغوسيين، ولا مفر من ذلك على الأرجح.
مقالات - اضافات
حلفاء بريطانيا الأوروبيون يتخلون عنها في التصويت في الأمم المتحدة
07-07-2017