الصراع العربي الإسرائيلي التاريخي مر بمنعطفات خطيرة منذ إعلان وعد بلفور المشؤوم عام ١٩١٧، حتى إعلان دولة إسرائيل في فلسطين عام ١٩٤٧، فكان صراعاً شمل جميع المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية؛ اعتمدت فيه إسرائيل على قصص وخزعبلات وأساطير مدسوسة على التوراة والتلمود بأحقيتها في أرض الميعاد في فلسطين، ألّفتها بهدف دعم مشروعها الصهيوني. وفي نظري فإن هذا الصراع انقسم إلى ثلاث مراحل هي على النحو التالي:

- المرحلة الأولى، مرحلة المقاومة والعزة والكرامة، التي شهدت خمس حروب كبرى في أعوام "١٩٤٨، ١٩٥٦، ١٩٦٧، ١٩٧٣، ١٩٨٢"، وحسب الإحصاءات فقد راح ضحية لها ما يزيد على ٢٠٠ ألف، وبلغ ما أنفقته أطراف النزاع نحو ٣٠٠ مليار دولار، وقد سطَّر العرب تضحيات مشهودة بالنفوس والأموال من أجل نصرة القضية الفلسطينية التي كانت شاغلهم وهمهم جميعا، على اختلاف انتماءاتهم الدينية والمذهبية، ولعل الفضل يعود للمد القومي الذي كان مسيطراً على المناخ السياسي العربي في ذلك الوقت.

Ad

- مرحلة الشجب والاستنكار، وكان المحرك الرئيس فيها الجماهير العربية الغاضبة التي كانت تخرج للتظاهر في معظم العواصم العربية للتعبير عن رفضها لأي انتهاك إسرائيلي ضد شعب فلسطين، وبسبب هذا الضغط تصدر بيانات الشجب والاستنكار من الأنظمة العربية، وأقصى مدى تصل إليه هو عقد قمة عربية، وإصدار بيان استنكار مشترك من الجامعة العرببة يدين الانتهاك، وللتاريخ كانت النخب العربية المثقفة تنتقد وبشدة مواقف حكوماتها الضعيفة تجاه الكيان الصهيوني وانتهاكاته في ذلك الوقت.

- المرحلة الثالثة، مرحلة الأفلام الصامتة، والتي نعيشها الآن، مرحلة جعلتنا نترحم على أيام الشجب والاستنكار، ومن المؤسف والمخجل أن صحفاً وكتاباً عرباً وخليجيين أخذوا على عاتقهم مسؤولية الدفاع عن إسرائيل، فخرجت أصواتٌ آلمتنا بوصف حركة حماس بالإرهابية باستخدامها أموال الخليج لشراء السلاح وحفر الأنفاق التي تهدد أمن إسرائيل! وهذا صوتٌ آخر يذكرنا بأن عدونا الأول في الخليج هو إيران لا إسرائيل والتي لا تجمعنا معها حدود ولا تهدد أمننا، حتى خرج علينا أحد خبراء علم الأصول ليقول: إن اليهود أبناء عمومتنا، ويجب أن نتعامل معهم على هذا الأساس! وفي الجانب الآخر يمنع التعاطف مع "حماس" والكتابة عنها، ويكفيك عمل بحث في الشبكة العنكبوتية عن شهداء "حماس" لتكتشف قائمة شرف كبيرة يتصدرها معظم قادة "حماس" المؤسسين الذين اغتالتهم آلة الحرب اليهودية.

الحالة العربية الضعيفة هذه تجاه القضية الفلسطينية ليست وليدة المصادفة إنما هي نتاج جهد حثيث لا يعرف الملل ولسنوات من قبل إسرائيل لتفتيت الوطن العربي بهدف إعادة هيكلته من جديد، بل أكثر من ذلك أنها ترى ضرورة تفتيت الكيان الاجتماعي القومي العربي، وأيضاً تفتيت النسيج الاجتماعي الوطني لكل قطر عربي على حدة، والدليل أن جميع التسويات السياسية التي تمت بين إسرائيل من جهة وكل من مصر والأردن والسلطة الفلسطينية تعتبر ملغومة، تتضمن داخلها مصادر للتوتر لعودة الصراع، أكثر من مصادر التسوية الدائمة والشاملة والمستقرة، وهذا ما أكدته إحدى الدراسات العلمية.

لذلك سعت إسرائيل جاهدة من خلال حلفائها، إلى إيجاد صيغة جديدة للحرب على الإسلام بحجة الإرهاب، وبسواعد المسلمين وأموالهم، وقد أفصحوا عن ذلك كثيراً، كقول أحدهم: سوف نخلق لهم إسلاماً يناسبنا، وقد تم ذلك للأسف، وإلا فبِمَ تفسر الصمت العربي وغزة تحت القصف ومحاصرة منذ سنوات ويمنع عن أهلها الغذاء والدواء؟!

ختاماً: "ما نخشاه في الأيام القادمة أن يوجه الساسة بعض المشايخ إلى جواز الصلح مع إسرائيل ويخلطوا بين الصلح الشرعي والتطبيع". عجيل النشمي. وقبل أن يجف حبر تغريدة الشيخ عجيل، أتى أحدهم ليقول إن "المبادرة العربية تجاه إسرائيل قد تجد لها منطقاً جديداً في صورة مقبولة دينياً لإحيائها، لكن معاناة غزة ستظل قائمة ما لم تبتعد حماس عن المشهد".

خلاصة القول: معظم الحكومات العربية سابقاً كانت تحافظ على وجودها من خلال معاداتها لإسرائيل، أما الآن فصارت تسعى لذلك بالتقرب والسعي للتطبيع!

ودمتم بخير.