أفاد تقرير "الشال" الأسبوعي بأنه ينسب للكويت أنها صاحبة أول فكرة للصناديق السيادية، وتاريخ نشوئها يتجاوز الـ 65 عاماً أي عام 1953، وجاءت نتيجة توفر إدارة عامة محلية واعية، تفاعلت بشكل صحيح مع مقترح بريطاني هدفه توظيف فائض إيرادات النفط في بريطانيا الخارجة للتو من حرب مدمرة.

ووفق تقرير "الشال"، حدث ذلك والنفط في حقبة رواج في الطلب عليه وإسهامه كبير في مرحلة بناء ما دمرته الحرب العالمية الثانية، ثم أصبح أهم سلع التجارة الدولية ليسهم فيما بعد في نهوض اقتصادات آسيا، حتى إن الصين وحدها كانت المسؤولة عن نحو 30 في المئة من الزيادة في الطلب عليه للفترة 1980-2013، وكانت مسؤولة عن ارتفاع سعر برميل نفط برنت لأعلى من 100 دولار للبرميل لثلاث سنوات ونصف السنة (فبراير 2011 - أغسطس 2014)، رغم تعرض الاقتصاد العالمي لأزمة مالية كبرى في عام 2008.

Ad

لكن تلك حقبة انتهت، فنمو الاقتصاد العالمي -والصيني تحديداً- أصبح أضعف وأقل اعتماداً على النفط، والنفط غير التقليدي بات ينتج اقتصادياً بأقل من نصف أسعار عام 2013، والقلق على سخونة الأرض بات يقتطع من استهلاك الوقود الأحفوري، والبدائل النظيفة باتت منافسة.

ذلك يعني أن العالم يشهد بداية حقبة أفول عصر النفط، حتى وإن استغرق عقوداً من الزمن، وسمة الحقبة القادمة، ضعف متصل في الطلب، وضعف متصل في أسعاره.

ويحدث ذلك في زمن معظم دول النفط أدمنت فيه الاعتماد لتمويل موازناتها العامة بنسب تتراوح بين 80-90 في المئة على إيرادات النفط، وعند مستوى أسعار النفط الحالية، كلها تقريباً تنفق عند مستوى لأسعار النفط أدنى من أسعار التعادل لموازناتها، أي إنها باتت تستهلك مدخرات حقبة رواج سوق النفط، وما يفصلها عن ولوج أزمة ضخمة، هو عامل الوقت فقط.

وعنصر القوة الوحيد، الذي خلقته حقبة رواج سوق النفط، هو تعزيز حجم الصناديق السيادية، وتملك الكويت ثالث أكبر صندوق سيادي في إقليم الخليج، وبلغ حجمه نحو 514 مليار دولار كما في 30 يونيو 2017 وفقاً لمعهد "صناديق الثروة السيادية SWFI"، ولا تملك الكويت خياراً سوى الاعتراف والقبول بالتحول الجوهري في أهمية النفط، وعجزه الحتمي عن تغطية إنفلات سياساتها المالية، والواقع ألا خيار لها سوى ذلك الاعتراف، إن رغبت في تجنب الصطدام بالحائط، وعلم المالية العامة لا يعترف بدخل غير مستدام، لذلك لابد أن يأتي النفط في آخر مكونات مصادر تمويل الموازنة، لأنه بات غير مستدام، أهميته تتآكل بالتقادم العلمي، ولابد من أن يتصدر دخل الاستثمارات أو عائد الصندوق السيادي -دون المساس بأصله- مصادر التمويل لها، لأنه الدخل الرئيس المستدام حالياً، ذلك لا يستثني ضرورة ضغط كبير للنفقات العامة، وأهم عائق له هو قصور في الوعي بخطورة حريق المالية العامة القادم، ولا خيار سوى أن يصبح ذلك الحريق الموضوع الرئيسي للحكومة، ولنا عودة إلى غياب الوعي بخطورته لدى معظم أعضاء مجلس الأمة، بدليل سيل المشروعات الشعبوية المقترحة من قبلهم.