في قصة من قصص هانز كريستان أندرسون الخالدة بعنوان "ثياب الإمبراطور الجديدة" يقوم نساجان بعملية نصب على أحد الأباطرة المغرورين، والذي يهتم بأناقته وملابسه، ويتجاهل شعبه واحتياجاته. يُوهم النساجان الإمبراطور بأنهما سيصنعان له ملابس لا يراها الغبي، والذي لا يستحق منصبه، وما يفعلانه في الواقع هو نسج الهواء دون أن يستطيع أحد، بما في ذلك الإمبراطور نفسه، أن يعترف بأنه لا يرى شيئا، كي لا يُتهم بهاتين التهمتين.

ينتهي النسيج ويرتديه الإمبراطور في يوم احتفالي دون أن يجرؤ أحد من الناس أن يدّعي بأنه لا يرى شيئا على الإمبراطور حتى لا يُتهم بأنه غبي وغير مؤهل لمنصبه أو خوفا من سطوته. الوحيد الذي صرخ بأن الإمبراطور لا يرتدي ملابس هو طفل بريء، لكنه شجع الآخرين على التصريح بما لا يرونه، ولم يعترف الإمبراطور وحاشيته وأعوانه الذين يرفعون ذيل ثوبه الذي لا وجود له.

Ad

"تويتر" مجال كتابي يختلف عن أي مجال كتابي آخر. ويبدو أن الحكم عليه ليس سهلا، كما هو الحكم على أشكال الكتابة الأخرى. فالقصيدة لها شكل كتابي تحاكم من خلاله، والرواية والقصة والمسرحية وهكذا، جميعها أجناس كتابية يتم نقدها شكلا وموضوعا بالاعتماد على المدارس النقدية المعروفة. و"تويتر" أيضا ليس شكلا متخصصا من الكتابة، كتقرير المحاسب المالي، أو وصفة الطبيب، أو تقرير المختبر، ليعنى به المتخصص دون غيره.

"تويتر" مساحة يشغلها الكاتب المثقف والمفكر "الكبير" والشاعر والروائي والصيدلي والحقوقي وعامل المختبر ونصف الأمّي، الذي لا يفرق بين الألف والياء في اللغة. يمتد أحيانا ليتواصل فيه كتاب العربية، ويتضاءل ليتواصل من خلاله كتاب المحلية الضيقة والتعبيرات والتشبيهات المناطقية والمقتصرة على ضاحية دون غيرها. كل ذلك يتقبله "تويتر"، لمنح الجميع مساحة من التعبير، وإن كان في عدد محدد من الكلمات.

هذا التغريد منح العامة فرصة للتعليق على حدث سياسي كبير أو مسلسل تلفزيوني أو أغنية جيدة أو هابطة، وكان وسيلة لمساعدة الضعفاء ورفع معاناة أسر وطلبة، وتلك حسنات لا يمكن أن ننكرها لهذا الطائر الأزرق الذي يجلس أمامه طيلة اليوم من لا همّ سوى التغريد وإعادة التغريد والرد على تغريدة.

لكن الحسنة الأهم التي منحها لنا "تويتر"، هي كشف ثياب الإمبراطور، ومعرفة حقيقة هذه الأسماء التي كنا نظنها كبيرة وعلى درجة عالية من الفكر والمعرفة. فجأة ظهرت السطحية والسخف في كتابتهم في هذا العدد المحدد من الكلمات، وتلك السطحية التي لم تظهر في كتب سمينة كتبوها أصبحنا نشك الآن في حقيقتها إذا كانت هذه حقيقتهم كما نراها على "تويتر".

في أقل من مئتي حرف يسقط ناقد وروائي وشاعر، ويهبط مع عوام المغردين الذين يبدو أنهم أثروا فيه أكثر مما أثر فيهم. لم يستطع هذا المفكر أن يحافظ على هيبته ومكانته عند قرائه، ليجعل حتى الصبية تصرخ به "إنه لا يرتدي شيئا".

لا أريد أن أذكر الأسماء، وسأترك ذلك لكل قارئ، ليختار أسماء من بلده هو يعرفهم أكثر مني.