ديمقراطيتنا الكارثية
إن دفع الناس إلى ممارسة الديمقراطية وهم عراة من المهارات اللازمة لإتقانها إنما هو فعل ينطوي على افتقار عميق للمسؤولية والنزاهة، فهو أمر شديد الشبه بالطلب من أفراد لم يروا البحر في حياتهم قيادة سفينة تمخر عباب بحر هائج متلاطم الأمواج.
فيما يشبه الإجماع أو ما يقوم مقامه، يتهيب الكثير منا توجيه النقد للديمقراطية، فانتهى الأمر بها وقد اكتسبت نوعا من القداسة، وهذا الادعاء لا تنقصه الوجاهة، ذاك أننا نبصرها بعيون خيالنا الجامح وكأنها ضرب من الخلاص والانعتاق، وكما لو أنها تحوز القوة والتأثير اللذين تمتلكهما الكائنات الخرافية وعصي السحرة، فقد استقرت في عقولنا الملوثة أكذوبة كبرى عن عقائد الشرق وأساطيره، توسوس لنا بأن الديمقراطية عصية على التخريب ومحصنة ضد العبث، تماما كالكيانات الميتافيزيقية مكتفية بذاتها ومولدة شروط نمائها وسؤددها.ولكن الأمر غير ذلك، أقله منذ سنوات التكوين الديمقرطي الأولى، فالديمقراطية التي تعد واحدة من أبرز منجزين اجترحتهما حضارة اليونان القديمة، تلقت لطمتها الأولى من توءمها المنجز الآخر الفلسفة، وهو أمر حري بنا تدبره والنظر فيه، ووضعنا الكويتي تحديدا معني به بشكل وثيق. فالسهم القاتل الذي أطلقته الفلسفة من كنانتها كان في مقارنة الديمقراطية بسفينة على وشك الإبحار، والسؤال عمن يعهد إليه بأمر قيادتها؟ هل سيوكل ذلك لأي كان من الناس أم لأشخاص تعلموا وأتقنوا أصول الملاحة البحرية وفنونها؟ قطعا الإجابة معروفة.
ولئن كان الأمر على هذا النحو، فلماذا يوسد الناس في الديمقراطية شؤون السياسة والحكم إلى أي كان؟ وهذا السؤال الجذري تحتضن إجابته فكرة مركزية مفادها أن التصويت في الانتخابات، أي الممارسة الديمقراطية، ليس سوى ضرب من الفن أكثر من كونه اختيارا اعتباطيا، والقول إنها (الديمقراطية) فن يعني أنها يجب أن تدرس وتعلم للأفراد بشكل نظامي ومنهجي.استطرادا، فإن دفع الناس إلى ممارسة الديمقراطية وهم عراة من المهارات اللازمة لإتقانها إنما هو فعل ينطوي على افتقار عميق للمسؤولية والنزاهة، فهو أمر شديد الشبه بالطلب من أفراد لم يروا البحر في حياتهم قيادة سفينة تمخر عباب بحر هائج متلاطم الأمواج. وذلك كله لا يقصد به، بأي حال من الأحوال، أن الديمقراطية لا تجيد ممارستها سوى فئة بعينها أو أنها بشكل عام نخبوية بامتياز، لا تتقنها سوى القلة، بل على النقيض من ذلك، فإن الجميع لهم الحق بممارستها شريطة أن يكونوا مؤهلين للتفكير النقدي والعقلاني، أما إطلاق حق التصويت وفق الجنسية أو مكان الولادة دون القدرات العقلية والذهنية فإنه لا يعدو عن كونه تأسيساً لسيادة الحكم الديماغوجي، الرعاع أعداء الديمقراطية. وهؤلاء في المجتمعات كافة يسحقون العقل والحكمة، ويداعبون غرائز المجموع، فيعدونهم بالامتيازات السهلة والمكاسب السريعة والتباهي بقدراتهم على خرق القانون.إن نظرة فاحصة لأوضاعنا تبرهن بجلاء على أن غالبيتنا مأخوذون بسحر الديماغوجيين كما تؤخذ الطريدة بعيني صائدها.