لم تُكذّب تصريحات المسؤولين الأميركيين والروس التكهنات التي سرت عشية انعقاد اللقاء الأول بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين حول نقاط البحث، سواء ما يمكن أن يتفقا حوله أو التي تحتاج إلى مزيد من التشاور والاتصالات وحتى اللقاءات الشخصية، وفق ما صرح به الرجلان.

كان لافتاً أن اللقاء حضره عدد قليل من الأشخاص بينهم وزيرا خارجية البلدين ريكس تيلرسون وسيرغي لافروف، مما يعني أن إمكانية تسريب المعلومات مقننة، وإذا حصلت فهي تعني رسالة محددة إلى من يهمه الأمر.

Ad

تعليقات الساسة الأميركيين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي تراوحت بين مرحب ومتحفظ ومعترض، وخصوصاً في الملف الذي يشغل الإعلام الأميركي، وهو التدخل الروسي المفترض في الانتخابات الأميركية.

البعض اعتبر أن الرئيس ترامب واصل أسلوبه في التعمية وإثارة الشكوك حول استنتاجات أجهزة الاستخبارات الأميركية المتعددة والتي أجمعت كلها على أن موسكو تدخلت في الانتخابات لمصلحته.

وفي وقت انتقده آخرون قائلين إنه يشكك في كفاءة ونزاهة وصدقية أرفع المؤسسات الأمنية والدستورية، وخصوصاً أن تركيبة تلك الأجهزة لا تخضع للابتزاز الحزبي، ذكر معلقون أن المسؤولين الروس والأميركيين تناوبوا التعمية على الملف عبر تصريحات متناقضة تارة، وأخرى متوافقة، وأن الرئيسين اقتنعا بالشروحات التي قُدمت، وخاصة ما نقل عن ترامب أنه قبل نفي بوتين وجود تدخل منه في الانتخابات، ليأتي مسؤول أميركي آخر وينفي هذا القبول.

ومع مسارعة مصادر مسؤولة في البيت الأبيض إلى نفي المعلومات المتداولة حول الملف الروسي، اعتبر البعض أن الاعتراضات جاءت أيضاً من أوساط الجمهوريين، مما قرع جرس إنذار بحصول مضاعفات فور عودة ترامب إلى واشنطن.

لكن ما لفت نظر المراقبين في واشنطن هو سرعة إعلان اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب غرب سورية، والاتفاق على بدء معالجة الملف السوري، رغم التكتم على ما تمت المقايضة به، سواء في ملف العقوبات الاقتصادية المتصلة بالملف الأوكراني أو في ملف العلاقات مع إيران.

وقالت مصادر في الخارجية الأميركية إن اتفاق وقف إطلاق النار وإقامة منطقة خفض التصعيد من القنيطرة إلى درعا والسويداء على الحدود مع إسرائيل، هو خطوة أولى سيتم تطويرها وتعزيزها في الأيام المقبلة بعد فترة اختبار.

ولمّحت تلك المصادر إلى أن المطلوب من موسكو ليس قليلاً بالنسبة إلى ضبط وتسهيل الموافقة الإيرانية على الالتزام بالاتفاق، في الوقت الذي اقتنع الروس بأن مستقبل الحدود الشرقية لسورية مع العراق لا يمكن القبول به في وجود سيطرة واضحة لإيران، مقابل إعطاء موسكو حق تقرير مستقبل مصير الرئيس السوري بشار الأسد.

وأضافت أن إدارة ملف العلاقة بين تركيا وإيران باتت متروكة لروسيا أيضاً لتقرر حدود التنسيق والصراع في مناطق وقف إطلاق النار وخفض التصعيد التي سيتولون إدارتها، وهو ما يعني قبولاً بتقسيم ميداني من شأنه أن يسمح بفتح المناطق أمام عودة المهجرين واللاجئين السوريين في مرحلة أولى إلى جنوب غرب سورية، وبدء عملية إعادة بناء متواضعة، مادام الحل النهائي لا يزال بعيد المنال.

وعن ملف الأكراد، قالت المصادر إن واشنطن لن تتنازل في شأنهم، فهم عصب قواتها الميدانية التي تتولى إنهاء وجود تنظيم داعش في الرقة ومحافظتها.

وشيئاً فشيئاً بات الأكراد يتحولون إلى خط أحمر لا يمكن التفريط فيه رغم التطمينات التي أُعطيت لتركيا بعدم السماح لهم بتحويل مناطقهم إلى دولة مستقلة، أو محاولة التأثير على الداخل التركي.

وتدرك تلك المصادر أن الأمر لن يكون مبسطاً، وخصوصاً في المراحل الأولى من تطبيق الاتفاق، لأن الاتفاقات الأولى التي شاركت فيها تركيا من خلال مفاوضات أستانة كانت منقوصة لغياب الاتفاق بين واشنطن وموسكو، وخصوصاً أن إدارة ترامب كانت في طور تحديد ورسم خياراتها وما يمكنها القبول به في سورية، في وقت كانت رسالتها عن إيران أكثر من واضحة.