أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، اليوم ، تحقيق "النصر الكبير" في مدينة الموصل "المحررة" تماما، بعد نحو 9 أشهر من انطلاق عملية استعادة ثاني أكبر مدن البلاد.

وأصدر المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء بيانا أكد فيه أن العبادي "وصل إلى مقر قيادة العمليات في مدينة الموصل المحررة، وبارك للمقاتلين الأبطال والشعب العراقي بتحقيق النصر الكبير"، معلنا استعادة السيطرة الكاملة على المدينة، فيما تواصل القوات العراقية ملاحقة ما تبقى من فلول التنظيم.

Ad

وبدأت القوات العراقية هجومها لاستعادة ثاني أكبر مدن العراق في 17 أكتوبر الماضي، ويشكل هذا الإعلان الهزيمة الأكبر لتنظيم داعش منذ سيطرته على الموصل قبل 3 سنوات. ويشكل تحرير الموصل أيضا خطوة ذات أهمية كبيرة للقوات العراقية التي انهارت تماما أمام هجوم التنظيم عام 2014، رغم تفوقها عدديا.

ومع أن خسارة المدينة ستشكل ضربة كبيرة للتنظيم، فإنها لن تمثل نهاية التهديد الذي يشكله، إذ يرجح أن يعاود المتطرفون وبشكل متزايد تنفيذ تفجيرات وهجمات مفاجئة تنفيذا لاستراتيجيتهم التي اتبعوها في السنوات الماضية، وخصوصا أن التنظيم مازال يسيطر على مناطق عراقية عدة.

الوصول إلى دجلة

وكان التلفزيون الرسمي أعلن في خبر عاجل أن قوة خاصة تقاتل التنظيم بالمدينة القديمة في الموصل وصلت إلى ضفة نهر دجلة، ما يشير إلى أن آخر معقل للإرهابيين بالمدينة على وشك السقوط، مشيرا إلى أن مقاتلي التنظيم ألقوا بأنفسهم في نهر دجلة، في محاولة للفرار من معركة الموصل، حيث يواجهون هزيمة وشيكة على أيدي القوات العراقية التي تقاتل لطردهم من آخر جيب لهم في المدينة.

وأظهر مقاتلو التنظيم مقاومة شرسة في الأيام الأخيرة، ورغم ذلك يبدو أن القوات العراقية تتجه إلى حسم المعركة في وقت قريب.

وفر الإرهابيون من كل أنحاء مدينة الموصل باستثناء رقعة من الأرض على الضفة الغربية لنهر دجلة الذي يقسم المدينة، حيث تمركزوا في الأزقة الضيقة بالمدينة القديمة.

وارتفعت أعمدة الدخان فوق المدينة القديمة اليوم ، وتناثرت الجثث المتحللة لمقاتلي التنظيم في الشوارع. وترددت أصداء زخات متفرقة من الرصاص، ونفذت طائرات عدة غارات جوية.

وقال المتحدث باسم الجيش العراقي العميد يحيى رسول، للتلفزيون الرسمي اليوم ، إن 30 متشددا قتلوا وهم يحاولون الفرار بالسباحة في نهر دجلة.

ونقل عن قائد عمليات "قادمون يا نينوى" الفريق الركن عبدالأمير رشيد يار الله أن "قوات مكافحة الارهاب تحرر منطقة الميدان وتصل إلى حافة نهر دجلة، وتتقدم باتجاه منطقة القليعات آخر الأهداف لقوات مكافحة الإرهاب ومازال التقدم مستمرا". وتعهد التنظيم اليوم الأول بالقتال حتى الموت في الموصل.

من جهته، قال قائد الشرطة الاتحادية العراقية الفريق رائد جودت، في بيان اليوم ، إن معركة تحرير المدينة القديمة في الساحل الأيسر من الموصل أسفرت عن قتل أكثر من 1000 مسلح من "داعش"، وتدمير 65 مركبة مسلحة و20 سيارة مفخخة و24 دراجة نارية وخمسة أبراج اتصالات وثمانية أنفاق وتفكيك 71 حزاما ناسفا و310 عبوات ناسفة و181 صاروخا.

مآس

ومع إعلان الحكومة العراقية تحقيق "النصر الكبير" تتكشف الكلفة الباهظة للمعارك أكثر فأكثر مع خروج عشرات النساء وأطفالهن بين الأنقاض مرهقين وثكلى.

على أحد الأرصفة قرب المدينة القديمة، تجمعت نحو 15 امرأة وطفلا، بحثا عن ظل يقيهم قيظ الصيف، فيما يسمع دوي الطلقات النارية والقذائف في الداخل.

خرج هؤلاء بمعية القوات العراقية التي كانت تخوض معارك مع "داعش" في منطقة الميدان داخل الموصل القديمة، قلب المدينة التاريخي، ضد آخر جيوب الجهاديين.

وسط هذا المشهد، تتكئ أم شابة في العشرينيات بهدوء على أحد الجدران، مرتدية عباءة سوداء وحجابا أزرق اللون. تنهار بشكل مفاجئ على الرصيف متوسلة أقرب جندي أن يصغي إلى محنتها.

فقبل ساعة فقط، فقدت ابنها البالغ 7 سنوات في القصف، في وقت كانت تستعد مع عائلتها لمغادرة المدينة القديمة بعد أشهر من الاختباء.

تقول وقد طغى الحزن على ملامحها، فيما تحاول ابنتها الكبرى مسح دموعها: "لم أتمكن من القيام بشيء".

تتوسل إليها ابنتها، البالغة 10 سنوات، واصطبغ ثوبها العنابي بدماء أخيها الصغير، "لا تبكي يا أمي".

أما فاطمة الخمسينية فتجهش بالبكاء وهي تقص تفاصيل الفاجعة التي ألمت بعائلتها على مدى الأشهر الأربعة الماضية.

وتذكر فاطمة كيف اضطرت وعائلتها إلى الاختباء "تقريبا من دون طعام أو مياه" في قبو يسيطر عليه "داعش" وهم يصلون من أجل النجاة من المعارك الدائرة. خرجوا عندما بدا لهم أن القوات العراقية استعادت السيطرة على شارعهم، حيث رأوا السماء للمرة الأولى منذ أسابيع.

لكن قناصا أطلق النار على شقيق فاطمة أثناء هربهم، ولا معلومات لديها عنه منذ اقتادته سيارة إسعاف من المكان.

إلى جوارها، تبكي امرأة أخرى تدعى لقاء، وقد شخصت عيناها نحو السماء تكرر يائسة اسم شقيقها الذي اضطرت إلى ترك جثته عندما تعرض هو الآخر لطلق ناري من قناص من جهة الجهاديين.

يوزع جنود وعمال إغاثة الحلوى والمياه والعصائر على الأطفال الذين عادة ما يصلون وهم يعانون الجفاف.

وأعلنت الأمم المتحدة قبل يومين أن نحو 915 ألفا فروا من منازلهم منذ انطلاق معركة استعادة الموصل في أكتوبر، بينهم 700 ألف ينتظرون العودة.

ماكرون

ورحب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بهزيمة "داعش" في الموصل. وتشارك فرنسا في تحالف دولي لدعم الحملة العراقية لاستعادة السيطرة على الموصل بضربات جوية وتدريب ومساعدة في أرض المعركة.

وقال ماكرون، على حسابه في "تويتر"، إن "الموصل تحررت من الدولة الإسلامية. فرنسا تثني على كل من ساهموا في هذا النصر بجانب قواتنا".