يبدو أن "داعش" في طريقه للاختفاء، خصوصاً بعد الحديث المتداول عن القضاء على قائده "الخليفة البغدادي"، ثم هزيمته في مدينتي الموصل العراقية والرقة السورية بعد تحريرهما، فانقراض "داعش" الذي ما زال يحيط بوجوده و"قوته" الكثير من الغموض والأسرار، يثير السؤال عما بعده، لا سيما أنه ظهر فجأة وحظي، بعد أن ألقى زعيمه الخليفة البغدادي خطبته الشهيرة، بتغطية إعلامية عالمية مبالغ فيها، ثم شغل العالم سنوات بعد أن حل محل تنظيم "القاعدة" بقيادة زعيمه "بن لادن" الذي كان يؤدي الدور ذاته تقريباً، وتوسع بشكل مُريب بعد "انتصاراته" السريعة والمريبة في العراق وسورية، بل استطاع "الصمود" عدة أعوام في وجه تحالف دولي ضخم تقوده دول كبرى لديها أقوى جيوش العالم المدججة بأحدث الأسلحة الحديثة المتطورة، ولديها أيضاً أفضل وسائل التقنية العالية والاستخبارات العسكرية الأقوى في العالم!واللافت للنظر، في هذا السياق، أن حديث كبار زعماء العالم ووسائل إعلامهم المختلفة عن خطورة "داعش" أو عن ضرورة العمل الدؤوب على محاربة أفكار "الإرهاب" والتصدي لجرائمه لم يرافقه، في أي وقت من الأوقات، أي إِشارة أو حتى مجرد همسة عن ضرورة البدء بمشاريع إصلاحات سياسية جذرية في منطقتنا يترتب عليها قيام دول مدنية ديمقراطية على أسس وقواعد وطنية ودستورية صلبة متوافق عليها وطنياً، بحيث تنتهي في منطقتنا عملية المحاصصة السياسية الطائفية وتخلف النظم السياسية التي تحتكر السلطة والثروة وتهمش قيم المواطنة، ويتم تبني وتنفيذ سياسات اقتصادية رشيدة وعادلة اجتماعياً بدلاً من السياسات المعمول بها حالياً في معظم دولنا التي تزيد من الإثراء الفاحش للقِلة، في حين تضاعف معدلات البطالة، وتزيد من الإفقار، وتخلق ظروفاً معيشية قاسية وبائسة للغالبية.
علاوة على ذلك ينبغي على الدولة المدنية الديمقراطية حماية الحريات العامة والشخصية، وتشجيع الانفتاح الثقافي والحضاري، وإفساح المجال واسعاً للتفكير العقلاني والنقدي، وذلك من أجل القضاء على البيئة الاجتماعية-الاقتصادية- الثقافية الحاضنة لأفكار "داعش" وأشباهه التي ما زالت موجودة وتنمو في دول المنطقة نتيجة الواقع الاجتماعي- الاقتصادي السيئ، وتجريف العمل السياسي المدني- الديمقراطي. القضاء على ميليشيا "داعش" عسكرياً، وتحرير أراضي العراق وسورية أخبار سارة، ولكن المشكلة أنها لا تعني فشل خطط استخدام "داعش" وأشباهه في تنفيذ مشاريع أجنبية في منطقتنا، كما أنها لا تعني اختفاء الأفكار التي تدعو إليها الجماعات الرجعية التي تستخدم الدين، أو انتهاء جرائمها الإرهابية. ومما يزيد الطين بلّة أن القوى المُحتكرة للسلطة في العراق وسورية، وأيضاً الميليشيات الطائفية التي شاركت في هزيمة "داعش" عسكرياً ليست أقل منه رجعيةً وتطرفاً طائفياً، وهذا معناه أن الأرض ما زالت خصبة للأفكار الرجعية والمتخلفة التي تريد العودة بمجتمعاتنا قروناً سحيقة للوراء، فماذا بعد "داعش"؟!
مقالات
ماذا بعد «داعش»؟
10-07-2017