"الشياطين تكمن في التفاصيل"، فاتفاق جبهة الجنوب الغربي السورية غير مضمون صموده، فالتجارب، تجارب الأكثر من الأعوام الستة الماضية، علمتنا وعلمت غيرنا أن بين كل وقف إطلاق نار وآخر يجسد هذا النظام ومعه حلفاؤه الروس والإيرانيون وقائع جديدة على الأرض وفي السياسة، وآخر كل هذا "بدعة" اتفاقيات المناطق الأقل توتراً، وكأنه مسموح بأن يكون هناك توتر ولكن بنسبة أقل مما هو معتاد، والحقيقة أن هذه مناورة مكشوفة ستثبت الأيام المقبلة أن وراءها لعبة قد لا تدركها ولا تدرك أبعادها هذه الإدارة الأميركية التي لا تزال تتعاطى مع الأزمات الدولية، وخاصة أزمات الشرق الأوسط، بأساليب يغلب عليها الارتباك أي "مرة رِجْل في الفلاحة ومرة أخرى رِجْل في البور"!

والملاحظ، وهناك ملاحظات كثيرة، أنه تم تجنب الإشارة إلى أن إسرائيل شريك أساسي في هذا الاتفاق، إذ إن البعض يتساءل: ما العيب يا ترى في أن تقال الحقائق وبكل وضوح مادام الإسرائيليون أصبحوا يشكلون رقماً في معادلات هذه المنطقة... شئنا أم أبينا، وطالما أنهم ما زالوا يحتلون هضبة الجولان السورية فإن المفترض أن يكون نظام بشار الأسد قد رحل مبكراً، وحتى قبل أن يستمزج "دولة العدو الصهيوني" في الخروج من كل هذه الأزمة بإقامة "دولة ساحلية" له ولأتباعه على أنقاض الجمهورية العربية السورية... التي وللأسف التاريخي لم يبق منها إلا "ما يشبه باقي الوشم في ظاهر اليد"؟!

Ad

إنها أمنية غالية أن يصمد هذا الاتفاق، وأن تبقى سورية الجمهورية العربية السورية التي نعرفها، وأن يرحل هذا النظام لتصبح بعد كل هذه التجارب المريرة دولة مؤسسات ديمقراطية ولكل أبنائها ودون أي محاصصات طائفية وأي هيمنة مذهبية... لكن علينا في هذا المجال أن نتذكر وبكل حسرة وتحسر بيت الشعر العربي القائل:

وما نيل المطالب بالتمني

ولكن تؤخذ الدنيا غلابا

وما تجب الإشارة إليه هو أنه، إضافة إلى إخفاء أن إسرائيل رقم رئيسي في هذه المعادلة الجديدة، معادلة الجبهة الجنوبية السورية، جرى أيضاً تجنب ذِكْر أن الشرطة العسكرية الروسية هي التي ستكون مخولة بتطبيق وضبط هذا الاتفاق عسكرياً، وأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أطلق تصريحاً لا نعرف لماذا لم يتم التوقف عنده، قال فيه إنه يجب التنسيق مع الحكومة المركزية، أي نظام بشار الأسد، لتنفيذ اتفاقيات المناطق الأقل توتراً هذه.

ما يعني أن مخاوف المعارضة السورية، التي هي مخاوف غالبية الشعب السوري، من أن نتيجة هذا كله ستكون العودة بالأمور إلى ما قبل مارس 2011 محقة، وهذا من غير الممكن القبول به، بعدما حصل كل هذا الذي حصل، وحيث تشير التقديرات إلى أن محصلة الأكثر من الأعوام الستة الماضية تصل إلى قرابة مليون شهيد، وما يزيد على خمسة ملايين مهاجر ولاجئ، إضافة إلى كل هذا الدمار والخراب الذي حول بعض المدن والقرى السورية إلى أكوام من الحجارة والأتربة.