بعد نحو تسعة أشهر من انطلاق عملية استعادة ثاني أكبر مدن العراق من تنظيم «داعش» الإرهابي، في عملية عسكرية وُصِفت بأنها الأشرس منذ سقوط نظام صدام حسين، زار رئيس الحكومة حيدر العبادي، أمس، مدينة الموصل، مركز محافظة نينوى، شمال العراق، وأعلن تحقيق «النصر الكبير»، في المدينة «المحررة».

ويشكل هذا التطور أكبر الهزائم لـ«داعش» منذ سيطرته على الموصل قبل ثلاث سنوات، كما يعد خطوة ذات أهمية كبيرة للقوات العراقية التي انهارت تماماً أمام هجوم التنظيم عام 2014، الذي خسرت خلاله مساحات واسعة من البلاد.

Ad

وتفقد العبادي مقر قيادة قوات الشرطة الاتحادية في الساحل الأيمن لضفة نهر دجلة الذي يقسم المدينة، ثم عبر إلى الساحل الأيسر، حيث زار مبنى المحافظة، وسار على قدميه داخل مناطق محررة.

وأصدر العبادي «عدة توجيهات بصدد إدامة الانتصارات، والقضاء على فلول داعش المنهزمة»، مؤكداً «ضرورة بسط الأمن والاستقرار في المدينة المحررة، وتطهيرها من الألغام والمتفجرات التي خلفها العدو، وحماية المدنيين والنازحين».

وفي حين انطلقت احتفالات كبيرة بتحرير الموصل في ساحة التحرير وسط بغداد، وأخرى أمام منزل المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني بالنجف، وفي مدن أخرى، قال العبادي إن «العالم لم يتصور أننا سنقضي على داعش بهذه السرعة»، مضيفاً «إننا نولي أهمية كبرى لإعادة الخدمات والبنى التحتية، ونحن سعداء برؤية عودة الحياة الطبيعية للمواطنين، وهذا كله نتيجة تضحيات المقاتلين الأبطال الذين أبهروا العالم بشجاعتهم».

وتوقف صوت البنادق، في المدينة ذات المكانة الثقافية والتجارية المهمة في تاريخ المنطقة، وهو نصر يعد الأغلى ثمناً من جهة عدد ضحاياه من المقاتلين والمدنيين، بعد أن فخخ «داعش» الشوارع، ولغم المباني، واتخذ نحو مليون ونصف المليون من المدنيين دروعاً بشرية في محاولة يائسة لحفظ دولته.

وإذا كان الساحل الأيسر من المدينة قد نجا معظمه من الدمار، فإن الأيمن المحاذي للحدود مع سورية تعرض لدمار شبه شامل، رغم أن الموصليين يقولون، إنه ثمن يدفعونه دون ندم من أجل الخلاص من «داعش»، الذي أذاقهم الويلات طوال الأعوام الثلاثة الماضية.

وانتهت المعركة مخلفة نحو مليون موصلي مشرد يتوزعون بين مخيمات نزوح بدائية، أو في باقي المناطق الناجية من الحرب، وسط ضربة قاسية لتجار المدينة الذين بلغت خسائرهم مئات ملايين الدولارات بعد أن كانوا حلقة حيوية في اقتصاد العراق.

وبرهنت المعركة على إمكان تعاون وثيق بين العراقيين بمختلف طوائفهم وقومياتهم إذا توفرت الإرادة الكافية لذلك، وشهدت بناء ثقة نادراً بين الدولة العراقية والمجتمع الدولي الذي قدم دعماً منقطع النظير للمؤسسة العسكرية المعاد تأهيلها.

ونجحت المعركة الطويلة في إثارة تعاطف نادر من نوعه بين الموصليين، وهم أكثر العراقيين تنوعاً من الناحيتين الثقافية والدينية، وباقي أبناء البلاد، وتجلى ذلك في الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي وحملات التضامن، مما أظهر الشخصية الموصلية كنموذج متمدن قادر على تجاوز المصاعب وجاهز للحوار والتعاون، وفق شهادات تزخر بها مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام الغربية التي راقبت المعركة باهتمام كبير.

ويرى المراقبون العراقيون أن حماية التضحيات الهائلة للجند والأهالي ستبقى مهمة تحتاج إلى صبر طويل، فبغداد مطالبة بعدم تكرار الأخطاء السياسية والأمنية التي ساهمت في خلق فراغ كبير أتاح لـ«داعش» الظهور.

ويقول الموصليون إن تحالفاً عالمياً مع حكومة العراق خاض حرباً دولية على أرضهم، متوقعين أن يكون التحالف نفسه إلى جانبهم، إضافة إلى دور عربي بارز، في إعادة بناء استقرار راسخ، سيساهم في مكافحة التطرف الذي يهدد العالم بأسره.