«جنوب إفريقيا» تتقاطع مع الواقع وتحذر من أتون التشرذم

المسرحية تناقش قضايا محلية وعربية ودولية يعانيها العالم

نشر في 11-07-2017
آخر تحديث 11-07-2017 | 00:05
تركز مسرحية «جنوب إفريقيا» على ضرورة التلاحم والتكاتف بين أفراد الشعب، لأن التناحر سيلقي بهم في أتون التشرذم والشتات.
يحكم الفنان عبدالعزيز المسلم قبضته على نص مسرحية «جنوب إفريقيا»، إذ قدم من خلاله معالجة درامية جميلة، فهو يقدم نصاً يتقاطع مع الواقع بشكل كبير، فجنوب إفريقيا التي يصورها البعض على أنها الحلم ومصدر السعادة والثراء، ليست كذلك مسرحياً بل هي مكان لاستدراج الباحثين عن الثراء أو السعادة الأبدية، أو حتى الباحثات عن الزواج.

ينسج المسلم تفاصيل النص بدقة كبيرة مغلفاً حكاية اجتماعية ببعد سياسي جريء، فيتناول ما يسمى بنكاح الجهاد الذي اشتهر عقب ظهور «داعش»، فهرولت إليه الراغبات في الزواج والسعادة الأبدية، كما يسقط على المشكلات التي يعانيها الوطن العربي من المشرق إلى المغرب، فالاقتتال يسيطر على بلدانه، والتدمير ينخر في أوطانه.

وقدم المسلم خلال مشروعه المسرحي الجديد، الذي يعرض على خشبة مسرح نادي القادسية، رؤية جميلة، منتقداً الوضع الرياضي وما يحدث فيه، كما يسلط إلى الضوء على المشكلة الحاصلة حالياً بين دول الخليج، فهو لم يدع حدثاً مؤثراً لم يتطرق إليه.

وتمكن المسلم من إقناع المشاهد بتأدية دورين مختلفين في العمل، حينما تقمص دور والد طليقته، في حين اجتهد فريقه في الظهور المتميز، ورغم ذلك كان إيقاع العمل متأرجحاً، فحينما يحضر الفنان المسلم يشهد ارتفاعاً، وحينما يغيب لا يكون بالوتيرة ذاتها.

وتنطلق أحداث المسرحية من خلال مشهد يلخص صراعا محتدما على ملكية الأرض تدور رحاه بين السكان الأصليين في جنوب إفريقيا المنقسمين إلى مجموعتين، فالأولى تريد التمسك بأرضها رغم المساوئ التي فيها، والأخرى ترغب في بيع الأرض طمعاً في الثراء، وهذه الفئة مدفوعة إلى هذا الاتجاه بإيعاز من الرجل الأجنبي الذي يأمل تحويل الأكواخ والمساكن البدائية إلى منتجع متطور يتوافر فيه جميع سبل الراحة.

وعلى هدير جرفات التدمير، يفر من يفر، ويصمد من يرفض الرحيل عن وطنه، لأنه يرى أن من يفرط في أرضه سيكون مآله إلى زوال، وفي حين تدور عجلة الجرافات التي تأكل الأخضر واليابس، تتصاعد الأصوات المعارضة لهذا التجريف للأرض.

تأتي الآليات الأخرى لإنشاء المشاريع الجديدة، فتحدث فوضى عارمة على خشبة المسرح، وكأن ما يجري يشير إلى ما يحدث في ساحة معركة، وتمضي الأحداث ضمن هذا السياق، وتختفي الأكواخ ويظهر المنتجع الذي يديره تامبا الرجل الإفريقي، الذي يجسد دوره عبدالله الرميان بمساعدة الرجل الأجنبي والفتاة المصرية التي يجسده سعيد الملا.

ويبحث الثلاثي عن مستثمر يشتري المنتجع المهدد بالخطر، وأظهر الملا والرميان قدرة لا بأس بها في تقديم كوميديا جميلة في معظم الأوقات، لكن من تجمعهم المصلحة ستفرقهم أيضاً.

تصرفات غير ناضجة

وفي هذه الأثناء، يتوافد السياح من دول الخليج على المنتجع فيصِل الشاب فلاح الذي لا يستطيع أداء أي شيء ويبدو مذبذبا وفي حيرة من أمره، فهو دائما يلجأ إلى والده وحل المشكلات التي تواجهه، ليس من باب التقدير والتوقير، بل لأنه يفتقر الى الحكمة واتخاذ الرأي السديد، ثم يدخل الطفل فهد الذي يريد أن يحجز غرفة في الفندق.

ويشير الحدثان إلى أن المراهقين والأطفال هم الذين أصبحوا يتصدون إلى الأمور، لكن تصرفاتهم غير ناضجة، في حين هذه الفئة تريد تنفيذ ما ترغب فيه، وإن كانت أفعالهم ستقودهم إلى نهاية لا تحمد عقباها.

وفي تصاعد للحدث في المسرحية، يصل بوجمال وزوجته فوزية لتمضية شهر العسل في الفندق، ويجسد دوريهما شهاب حاجية وأحلام حسن، وتواجههما بعض العقبات، لاسيما بعد تعقب سالم طليق فوزية الذي يجسد دوره عبدالعزيز المسلم، فيأتي الى الفندق ذاته، راغبا في استعادة زوجته، لكن رغبته تبدو صعبة المنال، لاسيما عقب ارتباط فوزية بالرجل الثري بوجمال، وعبر مفارقات متنوعة استطاع الفنان عبدالعزيز المسلم تقديم كوميديا راقية مع الثنائي أحلام حسن وشهاب حاجية، وإن كانت كفة المسلم هي الأرجح.

وتمضي الأحداث ضمن قالب فكاهي يمزج بين غرابة الموقف وطرافته، إلى أن يكتشف الجمهور أن سالم طلّق زوجته للمرة الثالثة لأسباب تافهة، ويحدث صراع على فوزية بين بوجمال وسالم ضمن مفارقات كوميدية، وتدخل ضمن هذا الصراع هيا الشعيبي المليونيرة المزيفة فرح التي تريد تحقيق الثروة من خلال الإقامة في الفندق الذي يرتاده أبناء الخليج الأثرياء، وللظفر بأحد الأغنياء لينتشلها من الفقر الذي تعانيه، وهنا إشارة أن الكل يبحث عن الثروة عبر أقصر الطرق وأسهلها، وقدمت هيا دوراً جميلاً وكان أيضاً لها حضورها على المسرح.

وتمضي الأحداث إلى أن تظهر الحيوانات المفترسة في المنتجع، ويتم استدعاء الشرطة للسيطرة على الموقف، وفي خضم هذه الفوضى يُقدم السكان الأصليون إلى اختطاف مجموعة من العاملين والنزلاء في المنتجع، لأنهم يريدون استرجاع أرضهم، وحينئذ يدركون أن التناحر بين أبناء البلد لا طائل منه، بل سيضاعف من المشكلة وسيكون عرضة للمزيد من التشرذم والشتات.

ويهدف العمل إلى إيصال فكرة قدرة الشعوب على التخلص من العنصرية البغيضة التي تنخر في جسد المجتمع، وكيفية التحول من الهدم إلى البناء والتعمير، ونمو البنية التحتية والاقتصاد من خلال منهج وطني يحافظ على الهوية المحلية ولا يفقدها رونقها، والمسرحية مزيج بين الكوميديا والموقف والرعب والأكشن والإثارة والإبهار والمفارقات.

وخلال العرض تعرضت الفنانة هيا الشعيبي لحادثة غريبة أدت إلى سقوطها أثناء تأدية أحد المشاهد، ولكن عدت السقطة على خير.

back to top