قبل بضع سنوات، ذكر السيناتور جون ماكين، في إحدى أبرز لحظاته خلال برنامج حواري، أن "روسيا محطة وقود تدعي أنها دولة"، وكان في هذا، ومازال، محقاً إلى اليوم.تسعى النخبة الثرية الحاكمة المحيطة ببوتين إلى انتزاع ما تستطيع من مال من الاقتصاد الروسي الفقير ونقله إلى حسابات مصرفية في الخارج، ولكن مع تراجع أسعار النفط، تعاني روسيا بقيادة بوتين الركود منذ أربع سنوات، غير أن هذا الرئيس المتكبر يناضل، من خلال علاقاته الإعلامية الذكية وشجاعته الخاصة، للحفاظ على وهم أن روسيا قوة اقتصادية كبيرة، لكنها ليست كذلك، بل إنها كذلك لا تقترب منه.
تملك روسيا اليوم احتياطياً كبيراً من النفط والغاز، وتستخدم هذا الاحتياطي لتتعامل بعدائية مع أوروبا الشرقية والغربية، فتهدد بقطع هذه الموارد، إذا تجرأت أوروبا على التشكي من استيلاء بوتين على السلطة في القرم، وشرق أوكرانيا، ومنطقة البلطيق، وغيرها.ولكن نصل بعد ذلك إلى الرئيس ترامب، ففي خطابه المذهل في وارسو قبل أيام، فضح خداع بوتين في مجال الطاقة، وقد يكون هذا أفضل خطاب ألقاه خلال عهده الفتي، فقد قدّم ترامب رسالة قيادية مؤثرة، مشدداً على أهمية الحرية والعائلات القوية والقيم الديمقراطية، بل ذهب إلى أبعد من ذلك متسائلاً: "هل يملك الغرب الإرادة للاستمرار؟ وهل نثق بقيمنا لندافع عنها مهما كلف الثمن؟". كما تحدث ترامب مرات عدة عن القيادة الدينية وشجاعة البابا يوحنا بولس الثاني، وشكّلت هذه ضربة جريئة من الغرب، ولكن في جزء بالغ الأهمية من خطابه، استهدف مباشرةً تنمّر بوتين في مجال الطاقة، معلناً: "نلتزم بتأمين حصولكم على مصادر طاقة بديلة كي لا تتحول بولندا وجيرانها مرة أخرى إلى رهائن بين يدي مزوّد طاقة واحد".يريد ترامب أن تحقق الولايات المتحدة الهيمنة في مجال الطاقة، لذلك انسحب من اتفاقية باريس للمناخ المكلفة جداً، التي قد تلحق ضرراً كبيراً بالاقتصاد الأميركي، ووجّه وكالة حماية البيئة الأميركية إلى التخلي عن خطة أوباما للطاقة النظيفة، التي كانت ستؤدي إلى أسعار كهرباء عالية جداً، كما ألغى كل العقبات التي وضعها أوباما أمام التصديع المائي، علماً أن منافسته الرئاسية هيلاري كلينتون كانت ستعززها باطراد، وعمد ترامب إلى فتح الباب على مصرعيه أمام صادرات الطاقة.في الوقت الراهن، تعادل احتياطات النفط في الولايات المتحدة تقريباً ما تملكه السعودية، كذلك نملك ثاني أكبر احتياطي من الفحم في العالم، وفي الولايات المتحدة أيضاً احتياطي غاز يكفينا قرناً، وقد تفوّقنا على روسيا كأكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم، فضلاً عن أننا أكبر منتج للنفط والهيدروكربونات النفطية، وعلى نحو مماثل تزداد صادراتنا من الغاز الوطني المسال مع مسارعة وزارة الطاقة الأميركية إلى الموافقة على عدد من مشاريعه.تشكّل سياسات الطاقة هذه، التي تضع الولايات المتحدة أولاً، نمواً اقتصادياً ضخماً ووسيلةً لإنتاج عدد كبير من الوظائف العالية الأجر في الولايات المتحدة، ولكن في خطاب وارسو، أوضح ترامب أن هيمنة الولايات المتحدة في مجال الطاقة ستُستخدم أيضاً لمساعدة أصدقائنا في أوروبا، فلن يُضطر أصدقاؤنا بعد اليوم إلى الاعتماد على إمدادات "غازبروم" الروسية بأسعارها المتضخمة التي تقضي على الازدهار.باختصار، من خلال سياسات السوق الحرة التي يطبقها ترامب في قطاع الطاقة ومختلف قطاعات اقتصاد الولايات المتحدة، يهدف إلى تدمير حصة روسيا في سوق الطاقة، فمع المضي قدماً في هذه السياسات، سيزداد اقتصاد "محطة الوقود" الروسي انهياراً.وبينما يترسخ هذا الوضع الجديد سيكون على بوتين المتنمر أن يفكر ملياً في شؤون أوكرانيا، وبولندا، ودول البلطيق، وسيُضطر الرئيس الروسي أيضاً إلى التفكير ملياً في سياساته المناهضة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وكوريا الشمالية، وفي مكانته كقيصر روسيا العصري التي تزداد تزعزعاً، وهكذا يصبح العالم أكثر أماناً، بما أن ترامب يضع بوتين في موقف حرج.* لورانس كودلو * «ريال كلير بولتيكس»
مقالات
ترامب يضع بوتين في موقف حرج
11-07-2017