«جاسم محمد الخرافي» يوثق لمشوار سياسي ممتد
بدر مال الله وفيصل هريدي تتبعا مراحل حياته من الولادة إلى الوفاة
يختزل كتاب جاسم محمد الخرافي مشوارا ممتدا من العمل السياسي، إذ كانت أولى الخطوات ضمن هذا المجال ترشحه لانتخابات مجلس الأمة عام 1967، وهذا الحدث كان أول تفاعل حقيقي له مع العمل السياسي، وأول ممارسة ديمقراطية يشهدها في بلده، ويعايشها ويتفاعل معها ويتطلع إليها بآمال عريضة لتكون مشهداً من نظام ديمقراطي يسهم في وضع اسم الكويت بقائمة الديمقراطيات الحقيقية في العالم.
وحرص الخرافي منذ اليوم الأول لدخوله المجلس على الالتزام بالهدوء في طرحه، والمنطق في معالجته، حتى لا تضيع أفكاره مع العصبية التي تسيطر على البعض بسبب الحماس.
وحرص الخرافي منذ اليوم الأول لدخوله المجلس على الالتزام بالهدوء في طرحه، والمنطق في معالجته، حتى لا تضيع أفكاره مع العصبية التي تسيطر على البعض بسبب الحماس.
أصدر د. بدر عثمان مال الله والمستشار فيصل عبدالعال هريدي كتابا عن الراحل رئيس مجلس الأمة السابق جاسم محمد الخرافي، يتتبعان فيه مراحل حياته من البداية إلى النهاية.وتقدم زوجته سبيكة الجاسر للكتاب، وتقول في هذا السياق: "لقد عرفت أبو عبدالمحسن، كما عرفه الناس، رجلا من طراز فريد، ومعدن أصيل، وصفات نبيلة، لم تغره الدنيا ولم تغره المناصب ولم تهزه المواقف أو تؤثر فيه العواصف. عرفته كما عرفه الآخرون بابتسامته المعهودة التي لم تفارقه حتى في أصعب المواقف وأحلك الظروف، وبأدبه الجم الذي يؤثر في الغريب والقريب، وأخلاقه العالية التي كانت طريقه الى قلوب الناس".وأضافت: "لقد ترك لي أبو عبدالمحسن إرثا هم أولادي عبدالمحسن ولؤي وإياد وأنور وطلال وأحمد وغالية، بارك الله فيهم وجعلهم خير خلف لخير سلف، وأعانهم على فعل الخير، ومتعهم بالعفو والعافية والتسامح والرضى بما كتب الله".
وتابعت: "قرأت هذا الكتاب أكثر من مرة، وتيقنت أنه عمل وثائقي يتناول حقبة مهمة من تاريخ الكويت عاشها زوجي المغفور له جاسم الخرافي، فالكتاب يتنقل بأسلوب موضوعي بين الخاص والعام، فيتابع سيرة المرحوم ومحطات حياته في إطار أحداث وقضايا مجتمعه، وما واجهته من تحديات".وزادت: "لعل أكثر ما أعجبني في الكتاب أسلوبه الموضوعي، وغزارة معلوماته، وتحليله المتعمق، وتناوله لشخصية الكتاب بتجرد دون إطالة أو مبالغة، وقبل ذلك وبعده، التزامه بأصوله وأخلاقيات الكتابة بعدم التعرض أو المساس بأي كان، وهو ما حرص عليه المرحوم طوال حياته وطوال عمله في العمل الوطني الكويتي".وأشارت إلى ان "سطور الكتاب وصفحاته، وأنا اقرأه وأتأمل فيه، كانت تعرض أمامي ذكريات الزمن الجميل الذي قضيته معه زوجة وشريكة عمر ورفيقة درب، ولا أملك إلا أن ابتهل إلى العلي القدير أن يرحم الفقيد الغالي بواسع رحمته، ويسكنه فسيح جناته، ويبارك في ذريته".
سرد المعلومات
من جانبه، يقول الابن عبدالمحسن: "نحمد الله على نعمة إتمام هذا الكتاب الذي يوثق سيرة الوالد رحمه الله، وتغمده بواسع رحمته، والذي اطلع على الكتاب قبل وفاته، وراجع ما جاء فيه من سرد للمعلومات، لكنه فضل ألا يصدر أي شيء عنه في حياته، وتخليدا لذكراه، مع إصرار محبيه على إصدار كتاب يوثق مسيرته، وعلى رأسهم د. بدر عثمان مال الله -جزاه الله كل خير- والذي زامل المرحوم في جميع مراحل حياته، خصوصا المرحلة السياسية، وله منا كل الشكر".وأشار إلى أن الكتاب صدر عقب مراجعة منه ومن بعض محبيه، مقدرا الجهد الذي بذله في إعداده وإصداره بهذه الصورة الحرفية، في وقت قصير وجهد كبير، "فشكرا لمن ساهم في إخراجه بهذه الصورة".فكرة الإصدار
وقال المؤلفان إن فكرة إصدار الكتاب تعود إلى عام 1999، وتحديدا بعد تقلد المرحوم الخرافي منصب رئاسة مجلس الأمة، ولم يكن إعداده يسيرا، فمصادر المعلومات عديدة ومتنوعة وغير متوفرة في بعض الأحيان، حيث تطلب جمعها وتصنيفها وتوثيقها مجهودا كبيرا، غير أن أهمية إعداد هذا الكتاب كانت أكبر.وأضافا انه اذا كان الهدف من الكتاب تدوين سيرة شخصية وطنية لها مكانتها ومساهمتها في تاريخ الكويت الحديث، فإن ما يتناوله في ثناياه من اسلوب عمل ومعالجة، وفكر ورؤى لهذا الشخصية الوطنية الكبيرة له دلالات استرشادية مهمة لتطوير العمل الوطني والفكر السياسي الكويتي، وصقل الممارسة البرلمانية الديمقراطية.وذكرا أن عوامل التنشئة والتكويت وتنوع الخبرات والتعلم من مدرسة الحياة، والإصرار على مواجهة التحديات، تضفي بعدا مهما من التفرد والتمايز في سيرة المرحوم جاسم الخرافي ومسيرته في العمل الوطني، الى الحد الذي يبدو فيه ذلك نموذجا يستحق الدراسة والتأمل واستخلاص الدروس والعبر. وعن الفترة التي عاشها الراحل، أوضح المؤلفان أن "حياة الخرافي امتدت من 1940 إلى 2015، وتزامنت مع مرحلة مفصلية وحساسة من تاريخ الحديث، شهدت البلاد خلالها نقلة نوعية كبيرة، حيث كان ظهور النفط والاستقلال وبناء مؤسسات الدولة ونمو التجربة الديمقراطية وبدء مسيرة النهضة والبناء، فضلا عن التحديات العالمية الكبيرة التي كانت تلقي بظلالها على الكويت سلبا وإيجابا بحكم موقعها الجغرافي، الذي يؤثر بمحيطه الخارجي، وأهمها الحرب العالمية الثانية والحروب العربية الإسرائيلية في الأعوام 1948 و1956 و1967 و1973".وتابعا: "في كل ذلك، كان مراقبا لجميع تلك الأحداث، معايشا لكثير منها، ومساهما في صياغة وصناعة بعض مفرداتها، بما يمكن القول إن حياته بمراحلها ومحطاتها تختزل جزءا مهما من تاريخ الكويت الحديث، وهو ما سيكون من المفيد والمهم توثيقه".وفيما يخص المعوقات، التي كانت تقف ضد إصدار هذا الكتاب، قال المؤلفان: "إن العائق الأكبر كان في البداية عدم موافقة الخرافي على إعداد هذا الكتاب، وكانت حجته منطقية ومتوقعة من شخص مثله يحب البساطة في كل شيء، فهو لا يريد أن يكتب كتاب عن سيرته في حياته، وكانت حجتنا أيضاً منطقية، فنحن لا نريد أن ندون كتاباً يكون مجرد سجل عن شخصية معروفة نحبها ونحترمها، بل كان الهدف أن نتعرف على أساليب عمل، ونطلع على رؤى، ونستخلص دروساً تكون نافعة في العمل الوطني الكويتي ونوثق حقبة مهمة من تاريخ الكويت، يدفعنا لذلك ثلاثة عوامل- سياسي واجتماعي وشخصي، فالسياسي يتصل بتجربة سياسية وطنية ثرية وتنوعه خاضها الخرافي وتفاعل بها مع أحداث مجتمعه وغني عن البيان، أن تلك التجربة ثرية بالدراية والحكمة والخبرة والمهارات، استثمرها فكراً وممارسة، وساهم من خلالها في تطوير العمل السياسي الوطني على الصعيدين الرسمي والشعبي، وعلى المستويين العملي والفكري، وهي تجربة لابد من التوقف عندها، والتعرف على أبعادها، واستخلاص ما يمكن من دروسها وعبرها وهذا دون شك، ستكون له فائدته وأهميته في حاضر العمل الوطني الكويتي ومستقبله.ثقة واحترام
وعن الجانب الاجتماعي يقول المؤلفان:" فكان في الموقع الذي تربع فيه هذا الرجل في قلوب الناس، وفي شبكة العلاقات الاجتماعية الواسعة المتينة، التي ربطته بمختلف الفئات والتيارات والشرائح في المجتمع الكويتي وهي علاقات تتسم بود وثقة واحترام يندر أن يتمكن فرد واحد من إقامتها بهذا المدى وبتلك السعة وذلك العمق، ولا بد أن يكون ذلك قد ارتكز على مقومات شخصية فريدة، ومهارات وقدرات عملية وأخلاقية وفكرية مميزة في فن العلاقات الاجتماعية ومهارات في الخطاب الاجتماعي والسياسي، وفنون العمل الوطني وذلك دون شك، جدير بالتأمل والدراسة والبحث. وتابع المؤلفان: أما العامل الشخصي فيتمثل في سؤال محير لطالما ردده الكثيرون، وهو لماذا ترك جاسم محمد الخرافي مكانه الوثير الآمن والمريح، وسار في طريق العمل السياسي الشائك والصعب- وقف في محطاته الساخنة، وعبر دروبه المتبعة، وعاش قلق إحداثه المعقدة؟ بينما كثيرون غيره فضلوا النأي بأنفسهم عن العمل العام وما يرافقه من متاعب عاش الحياة ببساطة، لكنه فضل أن يتعقب صعابها ويواجه تحدياتها، وجعل التفاؤل شعاراً والأمل عنواناً، فكان يذكرنا في جميع صفحات هذا الكتاب بالنورس، طائر القلق والأمل معاً، طائر لا ينام إلا على الأمواج، وهذا بحد ذاته يضفي بعداً مهماً من التمايز في شخصيته رحمه الله.مرحلة النشأة في الغربة ومصادر التعليم المتنوعة
حول مضمون الإصدار يقول المؤلفان:" يقع هذا الكتاب في ستة عشر فصلاً بدأ بتقديم كتبته سبيكة سعد الجاسر "أم عبدالمحسن" زوجة المرحوم جاسم الخرافي وشريكة حياته، ورفيقة دربه في كل مراحل سيرته العطرة التي يستعرضها هذا الكتاب، وكانت له في كل ذلك السند والمعين، وحق علينا أن نتقدم لها بخالص الشكر والامتنان على مساهمتها القيمة في التقديم.يتناول الفصلان الأول والثاني مرحلة النشأة في الغربة ومصادر التعليم المتنوعة والعوامل المؤثرة فيها، وسيجد القارئ أن لهذه المرحلة دلالات مهمة في التكوين النفسي والإدراكي والمعرفي لشخصه جاسم الخرافي، في حين يستعرض الفصلان الثالث والرابع بدايات عمله السياسي، أما الفصول الخامس والسادس والسابع، فتتناول أسباب مشاركته في الحكومة وزيراً للمالية والاقتصاد، والتحديات التي واجهها، وما حققه من إنجازات مهمة أكدها تقرير لجنة تقصي الحقائق في مجلس الأمة الخاص بالغزو العراقي لدولة الكويت عام 1990، ويتطرق الفصل الثامن إلى عضويته مجددا في مجلس الأمة متسلحاً برؤى وخبرات من تجربته السابقة في المجلس والحكومة، ليؤهله ذلك لرئاسة مجلس الأمة خمسة فصول تشريعية متتالية، تتناولها بالتفصيل الفصول التاسع والعاشر والحادي عشر والثاني عشر، أما الفصل الثالث عشر فيتناول الأيام الصعبة التي عاشتها الكويت فيما اصطلح على تسميتها بـ"مسند الإمارة" والتي كان لجاسم الخرافي رئيس مجلس الأمة وقتها دور كبير في الانتقال الدستوري لمسند الإمارة، وتعالج الفصول الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر الفكر السياسي للراحل، ورؤيته للعمل الوطني والمفاهيم الوطنية، التي عمل على تكريسها وترسيخها وأهمها الوحدة الوطنية.كان من المفترض أن يتكون هذا الكتاب من سبعة عشر فصلاً بحيث يتناول الفصل الأخير مساهمته في العمل الخيري، والأيادي البيضاء له ولأسرته الكريمة أيضاً في ذلك، غير أنه لم يوافق على كتابة ذلك الفصل رغم وفرة وغزارة بياناته ومعلوماته، وكانت حجته في ذلك قول نبينا صلى الله عليه وسلم: "ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه" وهي حجة لطالما تمسك بها، وحالت دون إثراء هذا الكتاب بذلك الفصل.
فكرة إصدار الكتاب تعود إلى عام 1999
الراحل كان رافضاً لفكرة إصدار الكتاب في حياته
الراحل كان رافضاً لفكرة إصدار الكتاب في حياته