رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه
كان د. محمد شريف الملا محباً للكويت وأهلها، فقد صُعِق بوقوع الغزو العراقي الغاشم عليها، فخيم عليه الحزن طوال فترة الاحتلال، حتى إنه نذر إذا تحررت الكويت أن يأتي إلى الكويت المحررة، ويذبح 100 خروف ليوزعها صدقة على الفقراء والمحتاجين.
غيّب الموت في لندن الطبيب الإماراتي د. محمد شريف الملا، ذلك الإنسان المميز والقدير، رائد القطاع الصحي بإمارة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة. تعلَّم، رحمه الله، الصيدلة والتطبيب من خلال ممارسته تلك المهنة مع الفرق الطبية البريطانية في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، خدم مجتمعه وأهل بلده خلال الأيام العصيبة والظروف الصعبة التي كانت تعيشها دبي في الماضي، وهي ظروف لا يعلم مدى صعوبتها إلا الله ثم من عاش على ترابها وقتئذٍ، فكان المرحوم "بوحبيب" يتنقل سيراً على الأقدام لتقديم العلاج إلى المرضى في منازلهم، وتطعيم الأسر ضد الأوبئة، كما أسس أول صيدلية في دبي بسوق الذهب، عُرِفت بصيدلية محمد شريف.
كان، رحمه الله، محباً للكويت وأهلها، حيث صُعِق بوقوع الغزو العراقي الغاشم لدولة الكويت، فتأثر بذلك تأثراً كبيراً، وخيم عليه الحزن طوال فترة الاحتلال، حتى إنه نذر إذا تحررت الكويت وعادت إلى حكامها وأهلها أن يأتي إلى الكويت المحررة، ويذبح 100 خروف صدقة للفقراء والمحتاجين، وفعلاً بعد أن أنعم الله علينا بنعمة التحرير وعودة الحق والوطن لأصحابه تلقيت اتصالاً هاتفياً من ابنه د. حبيب الملا مباشرة بعد التحرير في مارس 1991م يخبرني بالموضوع، ويسألني عن كيفية تنفيذ نذر والده، فقلت له: أمهلني وسوف أرد عليك بأسرع وقت، وفعلاً اتصلت بأحد الإخوة الأعزاء، الصديق جاسم عبدالحميد الصقر "بوحمد" وكان وقتئذٍ يعمل مسؤولاً بشركة المواشي الكويتية، وطلبت منه إمكانية تحقيق نذر بوحبيب، وفعلاً قال لي الأخ بوحمد إنه سوف يجهز الـ100 ذبيحة خلال ثلاثة أيام، وبعد ذلك مباشرة كلمت الأخ د. حبيب الملا، وأبلغته، وبعد ثلاثة أيام زار الكويت كل من المرحوم د. محمد الملا وولده د. حبيب، وتم توزيع الـ100 ذبيحة على الفقراء والمحتاجين، وطلب مني المرحوم جولة لتفقد أحوال الكويت بعد التحرير، حيث اطلع على الدمار الشامل الذي أصابها من هدم وتدمير ونهب وحرائق بحيرات نفطية، فكانت السماء والأرض وبحر الكويت ملوثة بالدخان الأسود، إضافة إلى الألغام التي زُرِعت في مناطقها داخل المدن وخارجها، تأثر المرحوم تأثراً كبيراً بالمناظر المؤلمة والمصيبة الكبيرة التي لحقت بالكويت وأهلها، حيث سالت دموع عينيه لما شاهده من مآسٍ ودمار، ودعا المولى سبحانه وتعالى أن تعود الكويت وأهلها أفضل مما كانوا، وقال: حسبي الله ونعم الوكيل على الغزاة الظالمين صدام ومجموعته المجرمة.هذا هو الدكتور بوحبيب الملا، ذلك الإنسان الوفي الكريم صاحب الابتسامة التي لا تفارق محياه، والعظيم بخلقه وتواضعه، كان يسعد دائماً بعلاج مرضاه ويتألم لمعاناتهم، في كل مرة زرت فيها أهلي وجماعتي هناك في دبي، وعلى رأسهم المرحوم القدير بوحبيب، كنت أشعر بالفخر والاعتزاز والسعادة عندما ألتقيه، حيث كان آخر لقاء جمعنا قبل عدة أشهر من رحيله، وكانت المناسبة حضوري "عرس" أحد أبناء العائلة في دبي، حيث جلست بجانبه على العشاء فترة طويلة نتحدث ونأكل، كان يتحدث عن ماضيه والصعوبات التي واجهته في الأربعينيات والخمسينيات والستينيات، فروى قطوفاً من مسيرة حياته الحافلة والمليئة بالإنجازات والأعمال الخيرة.إن التميز الذي تحصده دبي اليوم ونجاحها الكبير ما هو إلا ثمرة غرسها الآباء والأجداد من أهلها، وواصل الأبناء والأحفاد مسيرة العطاء والبناء، فحصدت الإمارات ودبي ثمار تلك الغرسة الطيبة، لتخرج لنا دبي كما هي اليوم.مواقف مشرفة لرجال يذكرهم التاريخ بأحرف من نور، عملوا بكل جد وإخلاص وتفانٍ لخدمة بلادهم والبشرية لتوفير العيش الكريم لأبناء بلادهم والمعمورة.اليوم يخلد التاريخ المرحوم د. محمد شريف الملا، بوصفه رائداً من رواد الحركة الطبية والصحية بدولة الإمارات ودبي... بوحبيب الملا، كان يسعد بإدخال السعادة إلى قلوب الآخرين، وفرح كثيراً بتحرير الكويت من براثن العدوان العراقي الغاشم.نسأل الله المولى الكريم، والرب الرحيم، أن يتغمد روحه بواسع رحمته، وأن يدخله فسيح جناته، ويلهم أهله، آل الملا الصبر والسلوان، و"إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ".
محب الكويت... الراحل د. محمد شريف الملا
التميز الذي تحصده دبي اليوم ونجاحها الكبير ثمرة لما غرسه الآباء والأجداد من أهلها
خلال الأربعينيات والخمسينيات كان «بوحبيب» يتنقل في دبي على قدميه لعلاج المرضى وتطعيم الأسر ضد الأوبئة
خلال الأربعينيات والخمسينيات كان «بوحبيب» يتنقل في دبي على قدميه لعلاج المرضى وتطعيم الأسر ضد الأوبئة