انطلق "عاقد الصفقات" المزعوم أخيراً في ما قد يكون اتفاقاً دبلوماسياً مهماً خلال القمة الروسية- الأميركية يوم الجمعة في هامبورغ، وبالنسبة إلى مبتدئ، قد يبدو أن ترامب نجح في تفادي الهفوات التي تشوب أحياناً محادثات القوى العظمى هذه.ولا تكمن أهمية هذا اللقاء بين ترامب وبوتين في التفاصيل بحد ذاتها، مع أن وقف إطلاق النار المقترح في سورية قد ينقذ حياة كثيرين في ذلك الصراع الكارثي ويؤدي إلى إنشاء المزيد من "المناطق الآمنة"، غير أن أهمية هذا اللقاء الفعلية تكمن في استئناف الحوار بين الولايات المتحدة وروسيا بعد فترة طويلة تراجعت خلالها العلاقات إلى حد خطير.
بالنسبة إلى ترامب، عنى اللقاء التزامه بوعد مثير للجدل قطعه في مطلع حملته عام 2016، حين تعهد بالسعي لتحسين العلاقات مع موسكو، وصحيح أن ترامب قد يدّعي "النصر"، إلا أن المستفيد الأكبر يبقى على الأرجح بوتين، الذي استغل هذه الفرصة "ليخرج من حالة الاستبعاد" بعد العقوبات والعزلة السياسية التي تلت غزو روسيا للقرم عام 2014.اشترى ترامب الصفقة السورية بثمن بخس نسبياً، إذ لن تُرفع العقوبات عن روسيا، ولم تستعد هذه الأخيرة المجمعات الدبلوماسية التي جرى الاستيلاء عليها في 29 ديسمبر، لكن كثيرين يعتقدون أن مستشاري ترامب ناقشوا رفع العقوبات بعد فوزه بالرئاسة، ولكن إن كانوا قد توصلوا إلى اتفاق مماثل، فإنه لم يعد قائماً اليوم.افتتح ترامب اللقاء بطرحه مسألة التدخل الروسي في انتخابات عام 2016، وفق وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، ولا نعلم ما إذا كان هذا تصريحاً شكلياً مبهماً أو احتجاجاً فعلياً، كما يُقال إن بوتين أنكر أي تدخل مماثل، غير أن رده لا يُعتبر عالي المصداقية، مهما ذكر، فلا يمكننا الوثوق بالجواسيس السابقين في المسائل التي تتناول عمليات سرية، وسنحصل على الأدلة الحاسمة في قضية التدخل الروسي من المستشار الخاص روبرت س. ميولر عندما ينهي تحقيقاته.يبقى الاتفاق السوري أهم نتيجة "قابلة للتحقيق"، إذ كان تيلرسون يعمل طوال أسابيع على التفاصيل مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، وجرى التوصل إلى وقف إطلاق النار في جنوب غرب سورية بالتفاوض مع الأردن (ومع إسرائيل بطريقة غير رسمية) قبل نحو أسبوع، إلا أنه ظلّ مجمّداً إلى أن تحرص كل الأطراف على الالتزام به.صار الدرب ممهداً اليوم أمام الجهود الأميركية- الروسية للحد من الصراع في سورية والبدء بنشر الاستقرار في هذا البلد، وبالنسبة إلى المعارضة السورية، كان أهم تطور إعلان تيلرسون أن الرئيس بشار الأسد سيتنحى في نهاية المطاف عن السلطة وأن سورية ستشهد عملية انتقال سياسية بعيداً عن آل الأسد. سيرفض الأسد على الأرجح هذه الخطوة، شأنه في ذلك شأن إيران، ولكن إذا عملت الولايات المتحدة وروسيا كلتاهما على ضمان عملية الانتقال هذه، كما يبدو، فستمضي قدماً على الأرجح.علاوة على ذلك، أدى لقاء قمة يوم الجمعة إلى بعض الحوار المفيد بشأن كوريا الشمالية، إذ أفاد تيلرسون بأن ترامب ناقش مسألة وضع حد لبرامج الأسلحة في كوريا الشمالية مع بوتين والرئيس الصيني شي جينبينغ. صحيح أنهم لم يتوصلوا إلى اتفاق حيال كيفية الضغط على بيونغ يانغ، واصطدموا بالتأكيد ببعض نقاط الخلاف الواضحة، لكننا شهدنا على الأقل إقراراً علنياً بمدى خطورة هذه المشكلة وبالمصالح المشتركة الأميركية الروسية الصينية.تكون القمم أحياناً خطيرة، فقد يقدّم السياسيون الغربيون تنازلات غير حكيمة لقادة مستبدين، كما حدث في ميونيخ عام 1938 وفي يالطا عام 1945 وأدى إلى عواقب كارثية، وقد يكون ترامب محاصراً وغير محبوب، ولكن يبدو أنه لم يقترف أخطاء كبيرة مماثلة في هامبورغ، على العكس، ذكّرنا لقاء القمة هذا بفوائد الدبلوماسية.* ديفيد إغناتيوس* (واشنطن بوست)
مقالات
ترامب قد يدعي الفوز... وبوتين يربح
13-07-2017