رفعت بيانات أعلنها ديوان الخدمة المدنية مستويات القلق من نشوء أزمة بطالة حقيقية غير مسبوقة، بسبب محدودية قدرات القطاع العام على استقبال الأعداد الضخمة القادمة إلى سوق العمل خلال الـ13 عاما المقبلة.

وتصطدم خطة الديوان لسوق العمل الحكومي حتى عام 2030، بحد أقصى، لنهاية الخطة، عند 28.9 ألف وظيفة، بدراسات حكومية أخرى حللت سوق العمل ضمن دراستها للاقتصاد الكويتي، ووضعت أرقاما أعلى بكثير من طاقة الديوان الاستيعابية، أبرزها تقرير اللجنة الاستشارية الاقتصادية، الصادر عام 2012، والذي حدد اختلالات هذا السوق عبر أرقام تفصيلية حذرت من تفاقم مشكلة البطالة، وتحولها إلى أزمة تؤثر سلبا على الاقتصاد والميزانية والمجتمع.

Ad

وبينما رصد الديوان لعام 2020 فقط نحو 17.7 ألف وظيفة حكومية نجد اللجنة الاستشارية الاقتصادية قدرت احتياجات سوق العمل، استناداً إلى معدلات نمو قوة العمل الكويتية الطبيعية البالغة نحو 7.38 في المئة سنوياً، بـ30 ألف طلب عمل، أي إن نسبة العجز عن التوظيف الحكومي ستوازي حسب الأرقام الرسمية 69.4 في المئة.

نمو وتصاعد

أما في عام 2025 فتشير البيانات نفسها إلى أن حجم التوظيف الحكومي سيصل إلى 22 ألف وظيفة، تقابلها تقديرات «الاستشارية الاقتصادية» بـ55.9 ألف طلب عمل، بنسبة عجز تبلغ 154 في المئة، وتتصاعد في عام 2030 إلى 28.9 ألف وظيفة يوفرها ديوان الخدمة المدنية، مقابل 74 ألف طلب عمل، بنسبة عجز أيضا 156 في المئة، مع وجوب بلوغ سعر برميل النفط 213 دولارا لتحقيق نقطة التعادل في الميزانية!

هذه البيانات يجب ألا تثير كثيرا من الفزع في أي دولة لديها تنوع اقتصادي أو أن سوق العمل الخاص بها يستوعب العدد الفائض من فرص العمل الحكومي، أو حتى لو كانت الميزانية العامة تعتمد مصادر دخل ثانوية غير النفط، أو حتى على الأقل لو أن الخطط الرسمية تسير في اتجاهها الصائب.

عكس الخطة

وتشير بيانات برنامج إعادة هيكلة القوى العاملة والجهاز التنفيذي إلى أن نسبة العاملين الكويتيين في القطاع الخاص تبلغ 5.6 في المئة من أصل قوة العمل البالغة 353 ألف مواطن، لذلك فإن الحديث عن توجه سياسات الدولة نحو تشجيع العمل الخاص غير دقيقة، ونجد الأرقام الرسمية من الإدارة العامة للإحصاء تناقضها، إذ إنه في الربع الأول من العام الحالي ارتفع التوظيف الحكومي بما يعادل 2.11 في المئة، مقابل الربع الأخير من عام 2016، بينما انخفض عدد العاملين في القطاع الخاص 1.8 في المئة لنفس الفترة المقارنة.

ومع الأخذ بعين الاعتبار أن معدلات النمو السكاني للمواطنين تتأرجح بين 3 و3.5 في المئة، وأن نحو 60 في المئة من الكويتيين دون سن 22 عاما، فإن السنوات المقبلة ستمثل تحديا كبيرا للسياسات الاقتصادية السابقة، لاسيما مع المصاعب الهيكلية التي تواجه سوق النفط على صعيد ضعف الطلب العالمي، وتعدد المنتجين التقليديين، واتجاه الكويت مع دول المنطقة نحو سوق الدين العام، وهي تحديات تستوجب تغييرا في عقليات وآليات الإدارة العامة.

الطلاب والجامعة

وفقا للأرقام، فإن فئة الطلاب في مراحل التعليم المدرسية تشكل 42 في المئة من إجمالي عدد الكويتيين، وعدد المنتسبين للتعليم العام يبلغ 375 ألفا من رياض الأطفال إلى الثانوي، والمرحلة الأخيرة تضم 94 ألف طالب سيضغطون في السنوات المقبلة بكل قوة على التعليم العالي، فضلا عن عدم وجود ارتباط بين تخصصاتهم في العديد من الكليات والمعاهد والبعثات الدراسية ومتطلبات سوق العمل.

الضغط الحالي على التعليم الجامعي سيتبعه ضغط أكبر على سوق العمل وبقية الخدمات الأخرى، وهو أمر سيثير أكثر من سؤال، في ظل تراجع أسعار النفط، وعدم قدرة الدولة على تنويع إيراداتها، وتحفيز سوق العمل، ما يعني أن مخاطر الضغط على الميزانية لتلبية احتياجات التوظيف ستزداد إلى أن تحدث أزمة بطالة حقيقية أو عجزا عن السداد، مع أن وجود مجتمع شبابي في أي دولة يعد عنصر دعم وقوة للدولة، بينما تعتبره دولة كالكويت عنصر ضغط مستقبلي.

تحديات

التحدي المستقبلي يتمثل في خلق آليات تضمن استيعاب القطاع الخاص للوافدين الجدد إلى سوق العمل، بما يحول دون خلق أزمة بطالة، وهذا يستوجب الكثير من العمل، بما يمكن استثماره في توجيه الإنفاق الاستثماري في الميزانية نحو خلق فرص العمل، وطرح المشاريع عبر نظم الشراكة وليس المناقصات العامة، وأن تكون محددات فرص العمل والإيرادات غير النفطية وتعددية الخدمات والمنافسة هي القاعدة الأساسية عند طرح أي مشروع أو تخصيص أي قطاع، فضلا عن تنمية بيئة الاستثمار، ورفع نسبة القطاع الخاص من الناتج المحلي الإجمالي، وتغيير فلسفة الإنفاق في الميزانية بما يصب في مصلحة أهداف الاقتصاد، إلى جانب استقطاب الأموال الأجنبية والمحلية، لتكون لدينا بيئة استثمار جاذبة تحقق مناخات متعددة من فرص العمل، إضافة إلى العمل على تطوير بيئة أعمال المشروعات الصغيرة والمتوسطة... وهذه تحديات لا تعالجها الخطط الرئيسية الرسمية كخطة الإصلاح الاقتصادي أو رؤية الكويت 2035، وإن ادعتا الاهتمام بها.