وسط إجراءات أمنية غير مسبوقة، حضر الرئيس الأميركي دونالد ترامب «صديق فرنسا» المعزول دولياً العرض العسكري التقليدي بمناسبة العيد الوطني «يوم الباستيل» إلى جانب نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي توجه بعدها إلى نيس لإحياء ذكرى الاعتداء الدامي الذي أوقع 86 قتيلاً و45 جريحاً في نيس قبل عام.وبدأ العرض العسكري الاستثنائي، الذي يتزامن مع الذكرى السنوية المئوية لمشاركة الولايات المتحدة في الحرب العالمية الأولى، على جادة الشانزيليزيه بمشاركة 3720 عسكرياً بينهم جنود أميركيون و211 عربة من بينها 62 دراجة نارية و241 حصاناً و63 طائرة و29 مروحية.
وتابع ترامب جنود بلاده يسيرون جنباً إلى جنب مع نظرائهم الفرنسيين في الاستثنائي المزدوج بمناسبتي مرور مئة عام على دخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الأولى واليوم الوطني الفرنسي المعروف بيوم الباستيل.واحتفلت فرنسا على وقع تمديد العمل للمرة السادسة بحالة الطوارئ المفروضة منذ نوفمبر 2015، بالعيد الوطني وسط حراسة أمنية مشددة بمشاركة نحو 86 ألف شرطي ودركي و7 آلاف عسكري من عملية «سانتينل» و44 ألف إطفائي لحماية المشاركين في الفعاليات. كما تم نشر قوات الأمن في المناطق السياحية وفي الحفلات الموسيقية والتجمعات، بحسب بيان لوزارة الداخلية مع «تركيز خاص» على محطات القطارات والمطارات.و«للتذكير بمعنى العيد الوطني الذي بات ذكرى لاعتداء أغرق فرنسا في حداد»، ألقى ماكرون «كلمة مقتضبة» من فوق المنصة الرئاسية إثر انتهاء العرض العسكري، الذي تزامن مع أجواء من التوتر بين رئيس الدولة والعسكريين، الذين عبروا عن قلقهم ازاء اقتطاعات مالية ستمسّهم في الموازنة.وفي وقت سابق، علق ترامب، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع ماكرون في قصر الإليزيه، «إنه احتفال وطني رائع ونحن متلهفون للمشاركة فيه. إنه ممتاز!»، مضيفاً: «دولتانا موحدتان معاً إلى الأبد في روح الثورة والكفاح من أجل الحرية».وجاء العرض العسكري في أعقاب يوم من المحادثات بين ترامب وماكرون تخللته جولة لزوجتي الرئيسين في باريس وعشاء للأربعة في مطعم في برج إيفل.
توتر الجيوش
وفي دليل على التوتر، أوضحت وزيرة الجيوش فلورانس بارلي صباح أمس أن رئيس أركان الجيوش بيار دي فيلييه شارك في العرض الى جانب ماكرون، غداة انتقاده له بسبب اعتراض فيلييه أمام مجلس النواب على خفض ميزانية الجيش في عام 2017.واعتبر ماكرون أنه «ليس من اللائق نقل بعض النقاشات إلى العلن»، وذكر العسكريين بـ«حسهم بالواجب»، بعد أن كان دي فيلييه قال في جلسة استماع مغلقة أمام لجنة نيابية أن الجيش «أعطى كل شيء» ولن يقبل مثل هذه المعاملة من وزارة المالية.اقتحام الباستيل
يذكر أن الشرارة الأولى للثورة الفرنسية كانت باقتحام سجن الباستيل، الذي يعود تاريخه إلى العصور الوسطى ويمثل رمزاً للسلطة الحاكمة آنذاك وأصبح على مدار السنين رمزاً للطغيان والظلم. ويعد اقتحام «الباستيل» في 14 يوليو 1789 جزءاً أساسياً من التاريخ الفرنسي ورمزاً للثورة الفرنسية، إذ يحتفل به الفرنسيون باعتباره سبباً رئيسياً لما وصلت إليه بلادهم من تقدم كبير في المجالات كافة.مراسم نيس
وبعد رحيل الرئيس الأميركي، توجه ماكرون إلى نيس للقاء أسر الضحايا وعناصر من قوات الأمن والإغاثة، وشهد عرضاً عسكرياً تلته مراسم تكريم رسمية بثتها شاشات عملاقة.وفي أجاء عاطفية مشحونة، أضيئت 86 شمعة عند الصباح قبل وصول ماكرون تكريماً للضحايا، الذين قتلوا عندما صدم رجل بشاحنته حشداً كان يحضر الاحتفالات بالعيد الوطني على الجادة الرئيسية.وفي تلك الليلة، احتشد نحو ثلاثين ألف شخص كباراً وصغاراً على واجهة نيس البحرية لمشاهدة عرض الألعاب النارية التقليدي في «يوم الباستيل».وبعيد الساعة 22.30، اندفعت شاحنة تزن 19 طناً على هذه الجادة المعروفة في الكوت دازور، في اتجاه الحشد فدهست وصدمت كل من كان في طريقها وهي تتنقل بين الرصيف والطريق لإيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا.وفي أقل من ثلاث دقائق، تسببت الشاحنة التي كان يقودها تونسي في الحادية والثلاثين من العمر، بسقوط 86 قتيلاً بينهم 15 طفلاً، وأكثر من 450 جريحاً.وتبنى تنظيم «داعش» الهجوم بدون أن يؤكد التحقيق وجود صلة له مع القاتل محمد لحويج بوهلال، الذي قتل في نهاية هجومه الجنوني. ولايزال تسعة أشخاص قيد التوقيف للاشتباه في أنهم ساعدوا بوهلال بدرجات متفاوتة في الحصول على أسلحة.وفي المساء، أقيم حفل موسيقي مفتوح للجميع قبل إطلاق بالونات وإضاءة 86 حزمة ضوئية، لكن من غير المقرر تنظيم عرض للألعاب النارية في منطقة الألب ماريتيم تعبيراً عن الحداد.باريس وبروكسل
وبينما منع القضاء الفرنسي مجلة «باري ماتش» الأسبوعية من إعادة نشر صورتين لاعتداء نيس في 14 يوليو 2016، أعلن تنظيم «داعش» أمس الأول أن اثنين من عناصره نفذا اعتداءين فاشلين في باريس وبروكسل في يونيو لم يسفرا عن ضحايا.وفي النسخة الأخيرة من مجلته «رومية»، التي تنشر بلغات عدة على مواقع تابعة له، أكد «داعش» أن منفذي الاعتداءين هما اثنان من «جنود الخلافة» في إطار تعداده سلسلة هجمات نفذت في شهر رمضان.وفي 19 يونيو، هاجم شاب بسيارة تحوي قوارير غاز وأسلحة عناصر من الدرك في جادة شانزيليزيه في باريس من دون وقوع ضحايا، وقتل في المكان.وفي اليوم التالي، قتل جندي شاباً مغربياً في محطة بروكسل بعدما فجر حقيبته. وكشفت العناصر الأولى للتحقيق أنه «يتعاطف» مع التنظيم.