تقرير محلي: هل تدفع «المشاريع المنزلية» فاتورة تسيّب «البريد»؟
ينتظر العديد من الشباب وغيرهم ممن يرغب في إطلاق مشروعه الخاص دخولَ قرار وزير التجارة والصناعة خالد الروضان بشأن إصدار الرخص المتناهية الصغر أو رخص المشاريع المنزلية حيز التطبيق بدءاً من مطلع أغسطس المقبل.وتعدّ هذه الخطوة تحولاً كبيراً في البيئة الاقتصادية التي تعاني ارتفاع إيجارات المكاتب، وندرتها في بعض المناطق التجارية، إضافة الى الدورة المستندية الطويلة اللازمة للحصول على ترخيص تجاري، لذا حرصت «التجارة» ووزيرها الروضان، من أجل نجاح هذه الخطوة، على عقد عدة اجتماعات مع الجهات الحكومية المعنية لتسهيل إجراءات الترخيص والعمل، والتأكد من سلاسة تنفيذ القرار دون الدخول في معوقات حكومية تعرقل الفكرة وتقتلها قبل ولادتها.ولأن أساس الرخص المتناهية الصغر هو تحديد عنوان الشركة على صندوق بريد مسجل، ليمثل المقر القانوني للشركة أو الرخصة، تبرز هنا عدة تساؤلات، لاسيما أن الدولة تعاني بشكل لافت سوءَ خدمة البريد المحلية، الذي ترتب عليه تحول الكثير من الأفراد والشركات إلى التعامل مع الشركات الخاصة لضمان وصول طرودهم ورسائلهم في أسرع وقت، لا أن تنتهي في الصحراء كما جرت العادة في كثير من مراكز البريد.
عبء سوء خدمة البريد المحلي بالتأكيد لا تتحمله وزارة التجارة، فهناك وزارة مختصة تشرف عليه، هي وزارة الخدمات، ولكن هذا السوء سيؤثر على أصحاب الأعمال أولاً، لأن مخاطباتهم ومكاتباتهم الرسمية ستكون عبر هذا البريد، وثانياً على من يتعامل معهم من شركات وأفراد، لاسيما في حال وجود خلافات قضائية بين الطرفين، وهذا يمتد بالتأكيد إلى صلب أعمال أصحاب هذا النوع من التراخيص في حال وجود علاقات تجارية دولية تقوم عليها أعمالهم. ولأن البريد في الكويت، كما أسلفنا، يعاني كثيراً سوءَ الخدمات، فهناك عراقيل كثيرة ستصطدم بقرار التراخيص المتناهية الصغر، فعلى سبيل المثال، لا يوجد أي نوع من التنبيه ما بين مراكز البريد وأصحاب الصناديق في حال انتهاء الاشتراك، ذلك لأن النظام الحالي المتبع يدوي لا آلي، إضافة إلى أن إدارة البريد لا تملك رؤية واضحة في كيفية التعامل مع صناديق البريد المنتهية اشتراكاتها، فهل تُلغى فوراً وتصبح متاحة لمشتركين جدد؟ أم أن هناك فترة محددة قبل إلغاء الصندوق؟ وهل يتم الاتصال بأصحابها قبل التصرف فيها؟ وجواب كل سؤال سيترتب عليه وضع قانوني محدد لصاحب الرخصة أو الشركة.ولعل التساؤل الأهم هنا هو: هل لدى مراكز البريد العدد الكافي من الصناديق حتى يتمكن كل شخص من الحصول على ترخيصه؟ وهل هناك خطة وضعتها وزارة الخدمات للتعامل مع الأعداد التي ستطلب فتح صناديق بريد، لاسيما أن الكثير من الشباب العاملين في القطاع الخاص، والعديد من المتقاعدين، سيقدمون طلبات للحصول على هذا النوع من الرخص مع أنهم قد لا يستخدمونها؟الحكومة فشلت في خصخصة قطاع البريد منذ عشرات السنين، وفشلها لم يكن نتيجة غياب الإمكانات بقدر ما هو خشية من رد فعل نيابي، إذ تعتبر مراكز البريد من الجهات المفضلة لدى النواب للتوظيف الوهمي، ولذلك فإن الحكومة التي تريد تحسين بيئتها الاقتصادية بدأت تصطدم بسوء تخطيطها وترددها المستمر في كثير من القرارات التي تتطلبها أي دولة تريد التحول إلى مركز تجاري ومالي.وفشل الحكومة في التعامل مع قطاع البريد، سواء عبر تخصيصه أو تطويره، نلمس نتائجه اليوم بعد أن أصبح مطلباً رئيسياً لتأسيس شركات تهدف إلى تحويل الشباب من القطاع الحكومي إلى العمل الحر.ومعالجة هذا الخلل لا تعني تأجيل قرار رخص المشاريع المنزلية، فهذا التوجه بحد ذاته خلل أكبر في تعطيل الأفكار التي تخدم قطاعاً واسعاً من الشباب، وأمام وزارة الخدمات، ممثلة بقطاع البريد، أسبوعان للتأكد من قدرتها على تلبية متطلبات تأسيس شركات متناهية الصغر، فإن لم توفر الصناديق فإن أزمة الحصول على مكتب تجاري فعلي ستتحول إلى أزمة الحصول على صندوق بريد!