وسط تحذيرات عربية وإسلامية واسعة من دفع الدولة العربية المنطقة نحو صراع ديني وتوفير الغطاء للمنظمات الإرهابية، أغلقت إسرائيل لليوم الثاني على التوالي المسجد الأقصى، ومنعت رفع الأذان فيه للمرة الأولى منذ نصف 50 عاماً، وكثفت وجودها على أبوابه والطرقات المؤدية إليه لمنع المصلين من الوصول إليه، كما حاصرت البلدة القديمة من القدس وحولتها إلى ثكنة مغلقة ودائرة للملاحقات الأمنية والمداهمات.

ووفق وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، فإن الشرطة الإسرائيلية منعت، أمس، تجار البلدة القديمة، وشارعي السلطان سليمان وصلاح الدين قُبالة سور القدس التاريخي، من فتح محالهم، مؤكدة أنها حولت وسط القدس إلى ثكنة عسكرية تغيب عنها كل مظاهر الحياة المدنية الطبيعية، وتطغى عليها المشاهد والمظاهر العسكرية.

Ad

وأكدت الوكالة أن القوات الإسرائيلية تنتشر ودورياتها الراجلة والمحمولة والخيالة في الشوارع القريبة من سور القدس، وأخرى راجلة داخل البلدة القديمة، فضلاً عن نصب متاريس وحواجز في معظم الشوارع والطرقات، وعلى بوابات البلدة القديمة والمسجد الأقصى، ومنعت إقامة صلاة الجمعة في الحرم القدسي الشريف.

وفي أعقاب عملية إطلاق نار وقعت صباح اليوم الأول، وأدت الى مقتل ثلاثة شبان فلسطينيين واثنين من أفراد الشرطة الاسرائيلية، اعتقلت سلطات الدولة العبرية عدداً من أقارب منفذي العملية خلال عمليات دهم في حي عين النبي، في مدينة أم الفحم مسقط رأس منفذي الهجوم، وشملت أيضاً مخيم الدهيشة وسط بيت لحم.

وغداة إطلاق سراحه بعد اعتقال دام طوال يوم الجمعة، أكد مفتي القدس والديار الفلسطينية الشيخ محمد حسين أن السلطات الإسرائيلية تواصل إغلاق المسجد الأقصى بشكل كامل لليوم الثاني على التوالي، موضحاً أن لا معلومات لديه عن موعد إعادة فتحه أمام المصلين.

في هذه الأثناء، ذكر الجيش الإسرائيلي أن سائقاً فلسطينياً أصيب بجراح عندما فتح مهاجمون النار على سيارة في وقت مبكر صباح اليوم بالقرب من مستوطنة عطريت شمالي مدينة رام الله بالضفة الغربية.

تحذير فلسطيني

وحذرت حكومة الوفاق الفلسطينية، أمس، من الإجراءات غير المسبوقة. وشدد المتحدث باسمها يوسف المحمود على أن "الحكومة تتابع بقلق شديد الاجراءات الاحتلالية والمساس بالوضع التاريخي القائم، التي من شأنها دفع الأوضاع الى مزيد من التدهور".

وفي غزة، تظاهر المئات من حركة "حماس" في مناطق متفرقة دعماً لعملية القدس، ورفضاً للحصار، رافعين لافتات مكتوبة تشيد بالهجوم وأخرى تندد بإغلاق إسرائيل المسجد الاقصى، كما تضمنت شعارات مناهضة للسلطة الفلسطينية واتهامها بالمشاركة في "مؤامرة" الحصار ومطالبة الرئيس محمود عباس بالرحيل.

وفي الرياض، دانت منظمة التعاون الإسلامي بشدة إغلاق المسجد الأقصى ومنع إقامة صلاة الجمعة فيه، معتبرة ذلك "جريمة وسابقة خطيرة وعدواناً صارخاً على المقدسات وحقوق وحرية الفلسطينيين في ممارسة شعائرهم الدينية".

وحذر الأمين العام للمنظمة يوسف العثيمين، في بيان، من محاولات "الاحتلال لفرض وقائع جديدة داخل الحرم القدسي الشريف"، مطالباً المجتمع الدولي بالتحرك فوراً لـ"ردع الاعتداءات الإسرائيلية ووقف الانتهاكات العنصرية".

ودانت جامعة الدول بشدة الاجراءات "الخطيرة" المتمثلة في اقتحام المسجد المبارك وتكسير مرافقه، محذرة من "تأجيجها الصراع الديني وتفاقم الإرهاب والعنف في المنطقة". وفي وقت سابق، اعتبر الجامع الأزهر أن ما حدث يضاف الى سجل السلطات الاسرائيلية "الطويل من الانتهاكات والجرائم بحق الإنسانية والأرض والمقدسات"، محذراً من محاولة اسرائيل استغلال الأحداث "لتنفيذ مخططه التهويدي"، ومشدداً على أن الاصوات الداعية لإغلاق المسجد بشكل دائم من شأنها أن "تستفز مشاعر الغضب في جميع أنحاء العالم، وتهدد الاستقرار".

تغيير الواقع

وبعد الكويت والبحرين ومصر والأردن، دان واستنكر الرئيس اللبناني ميشال عون، في برقية وجهها لعباس أمس، الاعتداءات المتكررة على حرمة المسجد الأقصى، معتبراً أن هذه "الممارسات تندرج في اطار مخطط لاستهداف المقدسات بعد اغتصاب الارض لاستكمال تغيير الواقع الجغرافي والديموغرافي في القدس".بدورها، دعت تركيا اسرائيل الى رفع الحظر المفروض على دخول المسجد الأقصى وإعادة فتحه بشكل فوري. وقالت وزارة الخارجية في بيان انه "من الضرورة الانسانية والقانونية احترام الأماكن المقدسة ومكانتها التاريخية". في أوج التوتر بالقدس، يعقد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي دعي الى باريس لإحياء ذكرى حملة اعتقالات شملت عدداً كبيراً من اليهود في 1942، لقاء مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمرة الأولى سيختبر خلاله مواقفه حول النزاع مع الفلسطينيين وإيران.

ويترك نتنياهو، الذي يخضع لتحقيقين قضائيين، متاعب تتراكم خصوصاً في إطار قضية فساد مرتبطة بشراء غواصات ألمانية تطال أقرباءه.

وبعد المراسم المقررة اليوم، سيجري نتنياهو، الذي لم يزر فرنسا منذ المسيرة الكبرى بعد الاعتداء على صحيفة "شارلي ايبدو" الفرنسية الساخرة ومحل لبيع أطعمة يهودية في يناير 2015، محادثات ثنائية مع ماكرون. وتثير زيارته إلى فرنسا لاحياء الذكرى الخامسة والسبعين لحملة فال ديف، التي تعد من أسوأ فصول التاريخ المعاصر لفرنسا، استياء البعض الذين يرون في ذلك "خلطاً في الأمور" واستخداما لليهود الفرنسيين "كأدوات".