حين وُلد الشاعر العراقي سعدي يوسف، كنت في علم الغيب، واحتجت إلى 26 سنة من الانتظار في العدم كي أرى النور. في تلك الفترة نشر سعدي يوسف أعماله الشعرية، متأثرا بالشعر العالمي وشخوصه، ومخلصا لقضاياه العربية.
تأثرت بسعدي يوسف، كما تأثر كثيرون من جيلي، والذي سبقه، والذي لحقه، كشاعر مهم يقترن اسمه بالبياتي ومحمود درويش. في عام 1976 كتب سعدي قصائد لا ينافسه فيها حينها سوى درويش، وربما هذه القصيدة تحتاج إلى بحث مقارن بينهما. في قصيدة "تنويع على ثلاثة أبيات" يكتب سعدي:"للبلاد التي قتلت ملكا، ثم نامت، يسافر أحمد، منزله في المعرة غادره آخر المشترين، وها هو أحمد، في الدرب، كل الكوى مغلقات، وكلب وحيد يرافقه، والغصون التي مسخت حجرا تتساقط أوراقها، البرق يقبل من آخر الشرق. أحمد لم يلتفت، والبلاد التي قتلت ملكا، ثم نامت... بعيدة".وبالتأكيد القصيدة التي أقصدها لدرويش هي أحمد الزعتر من ديوان أعراس الصادر عام 1977.سعدي يوسف، الشاعر الذي أردد له في كل لقاء ووداع للوطن هذين السطرين:"إذا غاب يشتاق وإن عاد ملّألهذا خلق الكون ضوءا وظلا". في إحدى الأمسيات الشعرية أساء إلقاء سعدي يوسف لشعره، فطلب منه درويش أن يلقيه نيابة عنه، معلنا أنه تعلم الكثير من سعدي يوسف. واليوم يسيء شعر سعدي يوسف الجديد للتاريخ الشعري ليوسف وله شخصيا. لم تعد شخصية الرجل الذي التقيته مرة وحيدة في مدينة تورنتو بأمسية لسنان أنطون، وكان لطيف الحديث، متواضعا كما يليق بشاعر حقيقي، هي ذات الشخصية المرتبكة والتي يهاجمها العراقيون اليوم بشراسة، لإساءتها لأحد الضباط الذين شاركوا في تحرير الموصل. هؤلاء العراقيون هم مَن دافعوا عنه يوما ما، ورفعوا عن شبكة الإنترنت كل ما يسيء إليه حين أساء لحاكم الإمارات الشيخ زايد، بعد فوزه بجائزة العويس الإماراتية وسحبها منه إثر ذلك.لن أهاجم سعدي يوسف، لأنه أساء لعسكري من بلاده، رغم تحفظي عن شخصنة الموضوع، وحصره في ضابط عليه إطاعة الأوامر، ولن أتدخل في حرية سعدي في انتقاد شخصية ما مع أحقية الجميع بالرد عليه دون تجريح وإهانة، كما حدث في الأيام الماضية. ما يهمني هو الشاعر سعدي يوسف، الذي تعرفت على نصوصه كتلميذ مؤمن بشاعريته. لكنني بالتأكيد أشعر بالحزن الشديد على شاعر مهم يظن أن هذه الجمل شعر، وكأنه تلميذ شعر مبتدئ:"عار السواعد/ "الفريق" الدمج/ هادم المدن العراقية/ المستنصر بغير الله/ ماذا سيظن الناس قائلين عنه؟"، وهكذا حتى نهاية القصيدة.سيدي الشاعر، دون أن أدخل في متاهة نقدية لا تحتملها المقالة، أقول لك "هذا ليس شعرا، وهذا أيضا من أسوأ أنواع النثر. فبعد كل هذه الانزلاقات الشعرية أخيرا لك، أرى أنك فقدت حساسيتك الشعرية، ولم تعد قادرا على ارتكاب الشعر، كما تعيش ارتباكه". وأخيرا، لا تغضب إذا قلنا لك "ماذا ستظن الناس يقولون عنك" وقد سمحت لتلاميذك بانتقادك والهجوم والتهجم عليك؟
توابل - مزاج
نهاية شاعر مهم
16-07-2017