قال تقرير "الشال" الأسبوعي، إن من مصلحة الشعب - أو أغلبيته الساحقة على أقل تقدير- "أن يسمع حقيقة أوضاع بلد أضاع على مر التاريخ المعاصر الفرصة تلو الأخرى لضمان استدامة ماليته العامة، وبالتالي ضمان استقراره، لأن معظم إداراته العامة المتعاقبة كانت تراهن فقط على استدامة مناصبها".

وأضاف "الشال": وطن، بات أكبر من نصف العاملين من مواطنيه بلا عمل حقيقي، وإنما بطالة مقنعة عالية التكلفة ضعيفة التعليم والإنتاجية، وعدد يوازي كل عمالته الحالية، أعمارهم دون الـ 18 عاماً، هم قادمون في المستقبل القريب إلى سوق العمل في أقل من 15 عاماً، ولن تتوفر لهم فرص عمل، والشعبوية الخاطئة والمهلكة تعيش يومها فقط، وتنسى أو تتناسى مسؤوليتها تجاه هؤلاء الصغار، بينما النواب في معظمهم لا يكتفون بما يحصل عليه ناخبوهم حالياً، وإنما يقترضون على حساب هؤلاء الصغار لإعطاء جيل حاضر من أجل أن حفظ مناصبهم الحالية.

Ad

وفي تفاصيل التقرير، "فإن لم نقم بعملية جرد للقوانين والمقترحات الشعبوية التي قدمها أو ينوي تقديمها معظم نواب مجلس الأمة، وإنما نقدم جرداً لعيّنة منها، عينة سوف تؤدي إلى زيادة سرعة وقوة اصطدام وطن بحائط ضخم، ولن تنجوا من الحادث سوى قلة نادرة".

فنماذج المقترحات الشعبوية، تراوحت بين خفض سن التقاعد وزيادة المعاشات التقاعدية وإلغاء الفائدة على المقترض بالاقتطاع من معاشه التقاعدي، وهي عملية تخريب كامل لنظام شبكة الأمان، أو التأمين الاجتماعي. مروراً بزيادة الجاري والثابت من النفقات العامة بكوادر جديدة للمعلمين من دون ربط بمستوى التعليم والتحصيل العلمي، وزيادة رواتب لرتب محددة من العسكريين.

ولم يسلم التأمين الاجتماعي لكل البلد، فبات هناك نواب يطالبون باقتطاع جزء من الإيرادات العامة لصندوق الجيل الحاضر وتوزيعه. ورغم العجز المالي والمستدام والحقيقي للمالية العامة، هناك 11 مقترحاً للعودة عن تعديل أسعار السلع والخدمات العامة مثل البنزين والكهرباء والماء وغيرها، مع دعوة لسياسة إسكانية أفقية لا يمكن استدامتها.

وعلى عكس المنطق الداعي إلى قيام الموظف العام بكامل واجباته في خدمة عملائه لقاء الأجر الذي يتقاضاه، يعترض نواب على شمول بصمة الدوام لمجرد اعتبارات الأقدمية رغم كل شكاوى إنجاز الأعمال في دوائر الحكومة.

وحتى نكون منصفين، فقد استباحت الحكومات المتعاقبة أداة شراء الود السياسي، وارتكبت كل الخطايا التي أدت إلى بلوغ البلد هذا المستوى من التخلف، وما قام ويقوم به معظم نواب مجلس الأمة، هو تقليد وتكرار لاستخدام أداة أدمنتها الحكومات المختلفة.

لكن الوضع الحاضر مختلف جوهرياً عن كل ما مضى، وعصر النفط أشرف على بداية نهايته، وهناك من يتوقع بدء النمو السلبي عليه في جانب الطلب خلال عقد من الزمن، وفي أحد سيناريوهات "وكالة الطاقة الدولية"، قدرت فقدانه أكثر من 20 مليون برميل يومياً عن المستوى الحالي البالغ نحو 96 مليون برميل يومياً بحلول عام 2040.

وبينما معطيات سوق النفط في الماضي منحت فرصة جديدة بعد كل حقبة من ارتكاب الخطايا، ليس في المستقبل من تسامح أو تعويض، وبينما يملك البعض القليل ممن هم في سلطة اتخاذ القرار خيار وإمكانية لبدء حياته من جديد في أي بقعة في العالم. فإنه مع تحقق الاصطدام بالحائط، لا تملك الأغلبية الساحقة من المواطنين سوى دفع كل تكاليف هذه الخطايا، وستكون باهظة جداً، والمطلوب بعض الشجاعة والجهد في تبيان حقائق الأوضاع المالية للبلد مع مستقبل مؤكد لضعف سوق النفط، ثم التصرف على أساس أن الوطن باقٍ بعد حياة أي إنسان، وسلامته واستقرار مستقبل صغاره مسؤولية سلطات اتخاذ القرار فيه، وأغلبية النواب جزء من تلك السلطة.