إلى أمير المبادرات الإنسانية ورائدها
يا صاحب السمو، هذه رسالة من أحد أبنائكم، الذين قُدِّر لهم أن يعايشوك عن قُرب ما يقارب أربعة عقود من الزمن، عشتها مع سموكم في السرَّاء والضرَّاء، شهدت فيها معكم أفراح البلاد وأتراحها، مجتمعين في كلتا الحالين على حب الكويت وأحلامنا بأن نراها دوماً أقوى وأجمل، اختلفنا واتفقنا، وكان الأصل الكويت ومستقبلها، وكانت اختلافاتنا بشأن ما هو أصلح للبلد، وأنفع لأهلها... تعلَّمت منكم عبر هذه السنوات أن أقول رأيي لسموكم بتجرُّد، وبلا تردُّد، فكنتم خير مَن يسمع، وأصدق مَن يُقنع. عايشتك، يا صاحب السمو، في أصعب التجاذبات السياسية المحلية، وعاصرتك عن قُرب في أحلك التوترات والاضطرابات الإقليمية والدولية، لذا أقرُّ لسموكم، بل كل أهل الكويت يقرون لا أنا فقط، بأنكم حميتم البلاد، وحفظتموها بأمان واستقرار وطمأنينة. لقد استطعت يا رُباننا، أن تحافظ على سفينتنا مُبحرة دوماً في بحر الأمان، وما رسوت بها يوما إلا في مراسي الاستقرار والثبات، لتقودنا من جديد إلى الإبحار نحو آفاق المستقبل... هذه حقيقة يا صاحب السمو، لا ينكرها جاحد، ولا يصمت أمامها حاقد، ولا يغفلها حاسد.
ومن جملة دروس عديدة تعلمناها على يدي سموكم أن أصل الحُكم المبادرة، والناس على دين ملوكهم، فحين يكون الحاكم مبادراً إيجابياً تتولد لدى رعيته كل الإيجابيات، فتعيش البلاد حيوية وتفاؤلاً وإقبالاً طوعياً على العطاء، غير أن عطاء سموكم تجاوز دائرة المبادرات المحلية الضيقة إلى حدود إقليمية ودولية.وتقديراً لتلك المبادرات الإنسانية، اهتم بها العالم ومنظماته الدولية أيما اهتمام، حتى إن الأمم المتحدة لم تكرم على امتداد تاريخها قائداً أو زعيماً مثلما كرَّمتكم فمنحتكم، عن جدارة، لقب «قائد للعمل الإنساني». أما نحن فعلى اختلاف أدوارنا ومن مختلف مواقعنا، سنبقى دوماً يا صاحب السمو، سنداً لكم في تحقيق آمالكم وما تتمنونه للبلاد، وفي مبادراتكم الخيِّرة للإنسانية، سنبقى كذلك؛ سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وإعلامياً، وستبقى «الجريدة»، التي باركتم صدورها قبل أكثر من عشر سنوات، صوت الحق الذي يقف مع صوتكم في حماية الحقيقة واحترامها، وستبقى قلماً يترجم آمالكم السامية لرسم مستقبل الكويت المشرق، وبحاراً يحمي معكم سفينة الوطن للإبحار نحو مرافئ الأمان.وليس أصعب من أن نحاول في مثل هذه المساحة المحدودة، أن نسرد تفاصيل مساعيكم السامية ومبادراتكم الإنسانية، حتى إنه ليصح القول يا صاحب السمو إنكم أمير المبادرات الإنسانية ورائدها، والشواهد على ذلك لا تحتاج إلى بيان، إذ كان آخرها دعوتكم إلى عقد مؤتمر للمانحين لإعادة إعمار الموصل بعد تحريرها، في مبادرة تختلف عما سبقها في مدلولاتها ومعانيها وتداعياتها عند الكثير من أهل البلد، فمنهم مَن سيقرأها بعين ضيِّقة، وبتراكمات تجربة مرَّ عليها أكثر من ربع قرن، ومنهم مَن سيفهمها بالعقل والفضل قبل العين والعدل.دعوتكم يا صاحب السمو إلى مثل هذا المؤتمر تثبت لنا، وللعالم كله، أننا أمة متحضرة ومتطورة، لا تعيش أسيرة لآلام التاريخ، بل تحيا حُرة لآمال المستقبل.سيتساءل قليلو العقل، ومحدودو البصر: لماذا العراق؟ لماذا مَن شرَّدنا وقتل أبناءنا؟ ولماذا نحن المبادرون؟ لقد أثبتَّم سموكم بهذه المبادرة، أننا أمة متحضرة، نفعل مثلما فعلت اليابان حين تجاوزت جراحها مع أميركا، ومثلما تخطت أوروبا، بقيادة ومبادرة ألمانية، جراح هتلر وتاريخه، وكما عبرت كوريا والصين تاريخهما الأسود إلى حاضر ومستقبل أبيض.أنتم يا صاحب السمو قرأتم التاريخ بلغة المستقبل، وهذا من قوام الحُكم وأساسه، ومن هنا جاءت مبادراتكم العديدة، لتؤكد لنا أن أصل الحُكم «المبادرة»... فدعوتكم إلى مؤتمر للمانحين لإعادة إعمار الموصل، هي دعوة لطيّ صفحة سوداء من تاريخ العلاقة بين بلدين لا ذنب لهما إلا أن حاكماً ونظاماً جائراً غزا بلاده، وقتل أهله قبل أن يغزونا.مبادرتكم يا صاحب السمو دعوة حضارية ترتقي بنا كأمة وشعب، وقبلها كحكم، إلى مصاف الدول المتحضرة والمتطورة، التي تعيش للمستقبل، ولا تموت بالماضي.يعجز الكلام، لكننا معكم يا صاحب السمو، وبارك الله على طريق الخير خطاكم.