«هروب اضطراري»!
من بين النظريات العقيمة، التي توارثناها عبر السنين، أن مشاركة النجم في الموسم الدرامي الرمضاني تجرّ عليه المصائب، في حال قيامه ببطولة فيلم سينمائي يُعرض في موسم عيد الفطر المبارك، بحجة أنه «يحرق نفسه» طوال الشهر، وأن الجمهور يُصاب بتخمة من إطلالة الفنان المتكررة عبر 30 حلقة يومية، من ثم ينصرف عنه إلى وجوه أخرى في العيد! هذه النظرية، التي يمكن أن نُطلق عليها «النجاح حسب مساحة الاشتياق»، انهارت تماماً مع حلول موسم أفلام عيد الفطر 2017، إذ حقّق فيلم «هروب اضطراري» للنجم أحمد السقا أعلى الإيرادات، في حين كان حاضراً في الموسم الدرامي الرمضاني بمسلسل «الحصان الأسود» (المفارقة أنه لم يلق التجاوب المطلوب)، فيما غاب محمد رمضان ومحمد هنيدي وتامر حسني وخالد الصاوي وماجد الكدواني عن الموسم الدرامي الرمضاني، ولم تحقق أفلامهم: «جواب اعتقال»، و«عنتر ابن شداد»، و«تصبح على خير» و«الأصليين»، النجاح الذي يؤكد النظرية!
يمثّل المخرج أحمد خالد موسى أحد أهم عوامل نجاح فيلم «هروب اضطراري» بإصراره على تقديم لغة سينمائية متطورة، ومواكبته أحدث تقنيات أفلام الحركة في السينما العالمية، من تصوير وإضاءة (كاميرا هيثم حسني) ومطاردات (عمرو ماكجيفر) ومونتاج (باهر رشيد) ومؤثرات صوتية (شريف سمير)، غرافيكس (أحمد القماش) وملابس إيناس عبد الله، وإن بدت جرعة «الأكشن» زائدة، وطغت كثيراً على الحالة الإنسانية، وتراجع الخلفية الاجتماعية والاقتصادية للشخصيات الكثيرة، التي امتلأ بها الفيلم (قصة وسيناريو محمد سيد بشير وحواره)، خصوصاً ضيوف الشرف: باسم سمرة، ومحمد فراج، وإيمان العاصي، وروجينا، وأحمد فهمي، ونبيل عيسى، وعمر السعيد، ومحمد شاهين، وأحمد وفيق، الذين أدوا ما عليهم، فالمناورات الحركية، والدرامية، تبدأ منذ لحظة القبض على أربع شخصيات هم: «أدهم» (أحمد السقا)، و«ندى» (غادة عادل)، و»مصطفى» (أمير كرارة)، و«يوسف» (مصطفى خاطر)، بتهمة قتل رجل الأعمال «يحيى زكريا» (محمد فراج)، وبعد نجاح خطة هروبهم، بالاتفاق مع «عطية» (بيومي فؤاد)، الذي اعتاد تبديد الأحراز وتهريب المتهمين، نظير مبالغ مالية ضخمة، يجتمع الأربعة للبحث عن الوسيلة التي تثبت براءتهم! تعكس المطاردات براعة المخرج لكنها تكشف في نفس الوقت أن «القاهرة تحت السيطرة»، من خلال الكاميرات الأمنية وغرفة التحكم في وزارة الداخلية، ومثلما فعل عاطف الطيب عندما قدم الضابط الإنسان العميد «عدلي» (أحمد خليل)، الذي يعاني مشاكل في معدته في فيلم «كتيبة الإعدام»، ركّز خالد موسى في «هروب اضطراري» على الجانب الواقعي للرائد «عصام» (فتحي عبد الوهاب)، الذي أدمن الطعام، كنوع من التعويض عن مشاكله مع زوجته، وتأخر ترقيته في عمله، لكن في إطار المحاولة المستميتة من المتهمين لنفي التهمة مع عجزهم في الوقت نفسه عن تبرير سبب وجودهم في العمارة، لحظة ارتكاب جريمة القتل، تستدعي الذاكرة فيلم «المذنبون» للمخرج سعيد مرزوق، حيث يأتي النفي بمثابة حل يائس للهروب من جريمة أكبر. فالشاب «يوسف» (مصطفى خاطر) تربطه علاقة جنسية بزوجة وزير (روجينا)، وهددته بالعقاب لو أنه ذكر اسمها في التحقيق، و»مصطفى» (أمير كرارة) كان يُروج المخدرات، فيما كان «أدهم» (أحمد السقا) على موعد مع «ملك» (دينا الشربيني) شقيقة الرائد «أيمن غالي» (أحمد العوضي) المتهم من «عصام» (فتحي عبد الوهاب) بالتورط في تهريب المتهمين الأربعة، والتواطؤ ثم التعاطف معهم!من مطاردة إلى مناورة، ومن معركة إلى أخرى، بعد جريمة القتل التي خلقت كثيراً من الغموض والإثارة، تقودنا أحداث الفيلم إلى لغة بصرية أخاذة لكن اللغة تفتقر إلى البناء الدرامي الذي يدفعك إلى التعاطف مع الشخصيات الرئيسة والمساعدة، فالخوف من استيلاء طليق غادة عادل على طفلتها لا يُحرك شعرة في المشاعر، في ظل انفعالها المبالغ فيه، كانفعال السقا، الذي كادت أحباله الصوتية أن تتقطع من دون مبرر، على عكس أحمد زاهر، الذي جسد شخصيته باقتدار، وكرارة، الذي حافظ على إيقاع الشخصية، بينما جاءت العلاقة المتوترة بين خاطر ووالده (محمود الجندي) غامضة، والأسباب غير مُشبعة، على عكس التوتر المبرر للغاية بين عصام وأيمن، وإن أفسده الوئام المفاجئ بينهما، والإيحاء بأن الخلاف كان متفقاً عليه للإيقاع بالأشرار، مع الاعتراف بتألق وإبداع فتحي عبد الوهاب وأحمد العوضي! لم تكن المبالغة في مشاهد الحركة، وطغيانها على الجانب الإنساني، هي آفة فيلم «هروب اضطراري»، وإنما وجود شخصيات زائدة، على رأسها عزت أبو عوف، والإيحاء بأن ثمة جزءاً ثانياً للفيلم، الذي كانت المحصلة النهائية لجزئه الأول مُرضية... ومُقنعة!