مع أهمية متابعة ما يجرى من أحداث ساخنة حول العالم وبالذات في إقليمنا، إلا أن ذلك لا ينبغي أن يشغلنا عن مشاكلنا، وقضايانا، وهمومنا الداخلية وفي مقدمتها، كما ذكرنا مراراً، موضوع الإصلاح السياسي- الديمقراطي الشامل، الذي لابد منه، كي يمكن إصلاح اختلالات الاقتصاد والمالية العامة، وإصلاح التعليم، ورفع مستوى الخدمات الصحية والاجتماعية، ثم الحديث، بعدئذٍ، عن الخطط الطموحة للتنمية الإنسانية المستدامة.عدم العمل الجدي على إصلاح المنظومة السياسية وتطويرها معناه استمرار الفساد السياسي المؤسسي الذي هو السبب الرئيس في أنواع الفساد الأخرى، وبالتالي، ستستمر الاختلالات الجدية التي يعانيها اقتصادنا الوطني، وسيزداد عجز الميزانية العامة للدولة، ويتراكم الدين العام وما يترتب عليه من تبعات اقتصادية واجتماعية وسياسية، ثم تتعقد المشاكل العامة الموجودة حالياً سواء في التعليم أو الصحة، أو استثمار الموارد البشرية الوطنية وتنميتها، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى تنامي الغضب الشعبي، وتدني مستوى الثقة الشعبية بسياسات الحكومة وأعمالها.
بكلمات أخرى، أمامنا تحديات صعبة للغاية وشديدة التعقيد تحتاج إلى منظومة سياسية صالحة وواعية ومتطورة لا يعشش فيها الفساد، مع الأخذ في الاعتبار أن الوقت ليس في مصلحتنا، فالوضع السياسي في العالم والمنطقة مضطرب وغير مستقر، والاقتصاد الرأسمالي العالمي يعاني مشاكل بنيوية عسيرة، ووضعه غير مطمئن، أما أسعار النفط فمتذبذبة، ولن تعود، بأي حال من الأحوال، كما كانت قبل هبوطها الأخير، فضلاً عن أن أهمية النفط ذاته كمصدر للطاقة على المستوى العالمي بدأت تتراجع لصالح النفط الصخري، وبدائل الطاقة النظيفة. لهذا، فهناك حاجة إلى إدارة عامة صالحة ورشيدة تستطيع مواجهة التحديات الصعبة الحالية والمستقبلية، ولديها القدرة والكفاءة العالية على إدارة الأزمات، ومعالجة المشاكل العامة. الإدارة العامة الصالحة والرشيدة هي التي تضع الخطط التنموية طويلة الأجل، وهي التي تقوم بصنع السياسات، وتحديد نوعية البرامج العامة المطلوبة، ثم تكلف القطاعات الاقتصادية والإدارية المختلفة بتنفيذها، وذلك تحت إشرافها ورقابتها. أما الحديث المستهلك الذي مازالت الحكومة تردده عن قدرة القطاع الخاص على معالجة المشاكل العامة مثل البطالة، والتعليم، والصحة، والإسكان، والخدمات الاجتماعية، وإدارة الأزمات الاقتصادية والمالية فهو حديث "مأخوذ خيره"، مثلما ذكرنا غير مرة، فمسؤولية إصلاح الوضع العام، ومكافحة الفساد بأنواعه، وإدارة الأزمات العامة، وحلّ مشاكل المجتمع تقع على عاتق الحكومة، فضلاً عن أن القطاع الخاص ذاته بحاجة دائمة، وذلك بحكم طبيعته الريعية والطفيلية، إلى تدخل الحكومة كي تنقذه من أزماته البنيوية المتكررة، والشواهد هنا كثيرة لا داعي لتكرارها.
مقالات
لا تنمية مع الفساد السياسي
17-07-2017