كان لافتاً استخدامك خامة الزجاج في أعمالك الأخيرة التي ضمها معرض «نور الشكل» في دار الأوبرا في القاهرة. ما السبب، وما الفارق بين الزجاج وبين الخامات الأخرى؟

الزجاج خامة قريبة إليّ بطبيعتها الشفافة النورانية، ولكنها لا تقبل الخطأ. تعاملت مع الكتل المصمتة باعتبارها أكثر قوة، وتتمتع بالشفافية أيضاً، ومع الوقت والتجريب أدركت أن لكل خامة صفات يجب أن تعرفها وتحترمها قبل التعامل معها. طبيعة البازلت قاتمة وقوية لا تقبل الإضافة، وعندما تحذف يجب أن تكون أخذت القرار النهائي، لأن لا مجال للرجوع فيه، والغرانيت عنيد ما دمت لا تعرف أسراره وطبيعة تكوينه، وللبرونز رونق خاص يكون غالباً لشكل صُنع من الطين المرن الذي يقبل الإضافة والحذف، ولكن أيضاً ينبغي أن تعرف طبيعته، وكيف تحافظ على مرونته، لأنه يجفّ ويتشقّق وربما ينكسر. الجبس بدوره يصبح عندما يجفّ كالحجر السهل الذي تستطيع تشكيله، ولكنه أيضاً يحمل صفات الطين، إذ يقبل الحذف والإضافة. أما البوليستر فمادة مصنعة وهي أيضاً بديل لنموذج صنع فعلاً، فضلاً عن أنها خفيفة تقبل الصدمات، ورخيصة مقارنة بالبرونز. عموماً، لكل خامة صفات وملامح وأدوات وطريقة تشكيل، ويبقى أن فكرة العمل هي ما يقرر الخامة.

Ad

ما التحدي الصعب الذي يواجهك كنحاتة؟

كيفية صياغة الفراغ داخل أعمالي النحتية، وأن يكون منحوتاً كما الكتلة، وأن تكون العلاقة بينهما متناغمة ومتزنة، فتتعايش الكتلة الشفافة مع المعتمة في علاقات مختلفة.

ماذا عن أبرز أعمالك المشاركة في معرض «نور الشكل»؟

أبرز أعمالي في معرض «نور الشكل» تمثال جالس لامرأة في وضع «ماعت»، وتعني العدالة عند المصري القديم، ولكن ببورتريه معاصر وبشعر حر يطير، وجسد شفاف مضيء يرمز إلى النورانية، ورأس بلون البشرة الطبيعي، ما يؤكد حالة الإنسان، برأس حر وجسد منير.

القوة الكامنة

تتعدّد الموضوعات في معرضك، فما السبب؟ وما هي الفلسفة التي تسعين إليها من تنوع الخامات والتقنية والأحجام؟

أميل إلى الموضوعات الميتافيزيقية. منذ كنت طفلة أبحث عن القوى الكامنة وراء الطبيعة التي تؤثر في حياتنا، وكنت أفكر دائماً في ما يحدث للإنسان بعد الموت، وما هو مصيره، وكيف تشكلت بدايات الحياة الأولى منذ بدء الخليقة؟ وبحثت كثيراً في الديانات السماوية وغير السماوية كافة، وفي الأساطير والحكايات والفلسفات المرتبطة بذلك، محاولة إيجاد أبعاد تشكيلية لها معايير خاصة بي وبرؤيتي لها.

قدَّمتِ أعمال تجهيز لفتت الأنظار. حدثينا عن أبرزها.

كان عملي التجهيزي الأول عن «البعث والخلود»، جاء بين مجالات النحت والعمارة والرسم، وكان شفافاً كالماء يبدو كأنه موجود وغير موجود، عبارة عن دوامة كبيرة على شكل حلزون يدخل فيها المشاهد وكأنه في حالة طواف في مسار دائري، وكلما تعمّق في العمل تظهر رسالة مرسومة خطية ولكنها غير مكتملة. وعندما يدخل المسار الثاني، يتراكب الجزء غير المكتمل على جزء جديد يكمِّله، وعندما يدخل المسار الثالث تظهر الرسالة كاملة متراكبة على بعضها بعضاً وتظهر غرفة دائرية فيها تمثال زجاجي في وضع أفقي معلق من السقف في مستوى نظر المشاهد، فمن ينظر إلى أعلى يرى تمثالاً زجاجياً يصغر تدريجاً في وضع أفقي حتى يتحول إلى كريستالة أو مجموعة من الكور الزجاجية الكثيرة في سقف العمل، وهي مرحلة الخلود أو الصعود العلوي. وارتبطت الرموز الموجودة في العمل برمز مصري قديم وقبطي وإسلامي، وتؤكد مرحلة والصعود.

أما العمل الثاني فهو «الذهاب إلى السماء»، في مجالي النحت والعمارة، حيث اتخذت النسب والمقاييس الخاصة بهرم سقارة ونفذت بشكل أصغر وشطرت الجزء العلوي بطائر معلق في سقف قصر الفنون في الأوبرا، وأخرجت منه تماثيل شفافة كثيرة ناشدة السماء أيضاً. نفذت العمل نفسه مجدداً، ولكن أخذت المقاييس والنسب الخاصة بهرم خوفو بشكل أصغر وشطرت الجزء العلوي لتخرج منه تماثيل زجاجية شفافة مع فتحات في قاعدة الهرم على شبكية هندسية يخرج منها ضوء ليزر. والعمل كله من خامة الزجاج والفولاذ المقاوم للصدأ، واقتنته مكتبة الإسكندرية.

ماذا عن «رحمته سبقت عدله»؟

«رحمته سبقت عدله» عبارة عن مشهد الحساب الذي تتضمنه بردية وجدت في كتاب الموتى ورُسم فيها لحظة وزن القلب في كفة مع ريشة ماعت في الكفة الأخرى. رسمت المشهد كبيراً بخامات النحاس والأكريليك والزجاج، ولم يحتو على أي لون غير النحاس الذهبي لقدسيته في الديانات كافة. في الأعلى، وضعت مجموعة من التماثيل الزجاجية الشفافة متراصة منتظرة الحساب، وفي أسفل الميزان تلتف قاعدته بقماش أخضر سندس من الحرير، الذي يوجد على أضرحة الأولياء وهو رمز للجنة. أما أمام الميزان فوضعت قماشاً من الكتان يرمز إلى الكفن. كذلك لعبت الإضاءة أسفل قاعدة الميزان كرمز للنورانية، والكفة التي تحمل ريشة ماعت أطول من تلك التي تحتوي القلب. وعندما عُدت إلى الأسطورة، وجدتها تقول إن صاحب القلب المليء بالآثام تكون كفته ثقيلة، والرسالة التي أراد أن يقولها لنا المصري القديم إن الله يحاسبنا برحمته لا بعدله.

نسب وتناسب

ماذا عن اتجاهك إلى النحت بخامات الغرانيت والبازلت والزجاج وتقديمك بعض الأساطير؟

قدمت بهذه الخامات أعمالاً تجريدية قائمة على استخلاص دراسات من النسب والعلوم الرياضية المقدسة الخاصة بالمصري القديم والتي تحوّلت إلى رموز تلعب فيها الموسيقى الشكلية وتؤثر في السلام النفسي والبدني للإنسان. استخلصت الشكل لأحوله إلى شبكيته الأولى، وبنيت عليه بقوانينه نفسها، وأحياناً غيّرتها لأضيف إليها بعض الحيوية. انتقلت لاحقاً إلى مرحلة نحت شخوص الأساطير برؤيتي الخاصة، محاولة معايشتها مع الحاضر مثل «نوي»، تلك المرأة المتكورة على نفسها في شكل بيضة، إذ ترمز إلى بداية الكون وتكوينه، كذلك صغت «إيزيس» في تمثالين مختلفين، واحدة تضع حورس على رأسها كما هي الحال مع تمثال خفرع في المتحف المصري القديم، والأخرى امرأة على شكل قارب وفي الوقت نفسه هي عروس النيل أو البحر ذيلها هو شراعها، وتمثال «عندما تلعب نوت» لامرأة تمارس لعبة صعبة من الجمباز، وفي الوقت نفسه تحافظ على اتزانها في الهواء.

الفكرة والتحدي

يكمن التحدي لدى الفنانة حورية السيد في صياغة ما يجول في خاطرها في جملة نحتية. تقول في هذا المجال: «عندما أفكر في عمل جديد يظهر لي في البداية كطيف أو حلم اقترب منه أكثر وأكثر محاولة تجسيده في عمل فني، سواء كان نحتاً أو تجهيزاً. من ثم، أحاول جمع المعلومات والحكايات والأساطير كافة التي ارتبطت به وأرسم مجموعة من الإسكتشات التي تصور بعض ملامحه، أو أنجز نموذجاً أو أكثر أحياناً، ثم أبدأ في العمل نفسه محددة له الخامة والأبعاد والأدوات التي استخدمها».

تتابع: «العمل الفني بالنسبة إلي فكرة تأتي في لحظة، ولكن تحتاج إلى وقت طويل لدراستها، ومعرفة كيف تتشكل لأشرع في تنفيذها. حتى في مراحل التنفيذ ربما تأتي تداعيات لتغيِّر بعض الخطوات أو الملامح، فأبدأ فوراً بتغييرها حتى لو كانت المراحل السابقة أخذت مني وقتاً ومجهوداً، فكل ما يهمني خروج العمل بالشكل الذي نقرره معاً أنا وهو».