مذ نزح قبل تسعة أشهر إلى مخيم ديبكة قرب الموصل، لم ير عادل البالغ من العمر 15 عاماً، والديه، إلا أنه يعتبر هذا البعد ثمناً للهروب من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية.يقول عادل الشاب اليافع الذي لجأ إلى إقليم كردستان العراق هارباً من بلدة الحويجة التي لا تزال تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية جنوب الموصل إن «الطريق كانت طويلة، مشيناً طوال الليل، حوالي 14 ساعة».
يعرب عادل عن اشتياقه إلى عائلته قائلاً «طبعاً أفتقد عائلتي، تسعة أشهر فترة طويلة».ويضيف الشاب الذي عاد مجدداً إلى مدرسته وينتظر استئناف الدراسة في سبتمبر، أن «المعلمين يعاملوننا بشكل جيد هنا، وأصبح هذا المكان مثل بيتي الآن».وأجبرت المعارك التي شهدتها الموصل، مئات الآلاف من المدنيين على النزوح من مناطقهم، وحالياً يوجد أكثر من ألف طفل (أقل من 18 عاماً) منفصلين عن أهاليهم، بحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف).يتلقى عادل، الذي انضم إلى واحد من إخوته وبعض من أبناء عمومته، رعاية من منظمة «أرض البشر» الإيطالية، التي تأوي 17 مراهقاً، وإلى جانب دروس اللغة الإنكليزية والمعلوماتية، لديهم أيضاً الحق بحصص رياضة.
تواصل
تعلو هتافات الفرح داخل قاعة مشتركة تجمع فيها الشبان مرتدين قمصاناً رياضية، متناوبين على طاولتي «بايبي فوت» وطاولة «بينغ بونغ».من جهة ثانية، يستلقي آخرون على فراش مد على أرض المهجع المجاور، فيما تصدح أغانٍ عربية من التلفاز بأعلى صوت.في موازاة ذلك، يحاول ثلاثة مراهقين تعلم طهي الخبز ومساعدة الطباخ في إعداد وجبة الغداء.بعد ستة أشهر من فراره، غادر والدا عادل الحويجة إلى مخيم للنازحين في محافظة كركوك.يُشير الفتى إلى أن «الوسيلة الوحيدة للاتصال هي الهاتف، وأحياناً فيسبوك»، مضيفاً «سألتحق بهما عندما أنهي دراستي».وأوضحت يونيسف الجمعة أن في الموصل أكثر من ألف طفل «منفصلين أو غير مصحوبين»، مشيرة إلى أن «منفصلين يعني أنهم مع أقارب، لكن ليس مع والديهم، وغير مصحوبين يعني أنهم وحيدون».ونقل بيان للمنظمة عن المسؤول المحلي ليونيسف مولد ورفة قوله «التقيت طفلاً عمره حوالي سبع سنوات، مصاباً بجروح بالغة في ذراعه اليسرى جراء القتال، كان الحزن واضحاً عليه، حتى عندما قدمنا له كرة صغيرة للعب بها لم يلمسها».إعادة تعليم
يحذر منسق منظمة «أرض البشر» عبدالواحد عبدالله من خطر تعرض الأطفال والمراهقين إلى اضطرابات نفسية شديدة.ويوضح أن هؤلاء «يعانون من إجهاد ما بعد الصدمة، أو نقص في الانتباه، غالبيتهم تعاني من اضطرابات في النوم ناجمة عن القلق».ويشير إلى أن «هناك شعوراً بالذنب لدى بعضهم كونهم هربوا من تنظيم الدولة الإسلامية، ولكن ليس عائلاتهم».ويلفت عبدالله إلى أنه يجب في بعض الأحيان إعادة تعليمهم بعض المبادئ الأساسية، كاختلاط البنين والبنات، وأيضاً حقيقة أن الموسيقى ليست «حراماً»، يحظرها الدين.نزح أحمد (20 عاماً) إلى مخيم آخر في ديبكة، مع سبعة من إخوانه وأخواته جميعهم يصغرونه سناً.ترك أحمد الحويجة قبل سبعة أشهر، وما زال أهله هناك.يقول صاحب العينين العسليتين واللحية الخفيفة «نتواصل عبر الهاتف لخمس دقائق فقط كل يومين أو ثلاثة أيام».يقول شقيقه عبدالله (15 عاماً) «هناك، في حال وجدوا هاتفاً، قد يتسبب ذلك في مقتلهما (والداه)» في إشارة إلى مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية الذين يحظرون الهواتف.يقر أحمد بأنه مجبر على التحلي بالصبر أمام بكاء إخوته المطالبين برؤية والديهم.ويوضح «أقول لهم أي شيء لإسكاتهم، أقول أنهم سيأتون اليوم أو أعطيهم نقوداً لشراء السكاكر».يشير شقيقاه إلى سارة، الطفلة ابنة العامين، التي لا تنفك تبتسم وهي تنظر بدهشة إلى محيطها.