المصروفات الفعلية تتجاوز الميزانية... وتقتطع من «اللحم الحي»
السحوبات من الاحتياطي العام بلغت معدلاً غير مسبوق منذ تأسيس الدولة
أصبحت مصروفات ميزانية الكويت خلال السنوات الأخيرة أكبر من حجمها المعلن، بمتوسط يصل إلى 30 في المئة، وبالتالي فإن مقدار العجز في الميزانية سنوياً سيتصاعد تباعاً مع النسبة السابقة، خصوصاً أن معظم بنود الصرف خارج الميزانية ليست قصيرة الأمد، أو تدفع مرة واحدة، بل إن بعضها مستمر ومتزايد؛ كالمصروفات العسكرية.
كشفت بيانات أصدرتها وزارة المالية أن مصروفات الدولة خلال آخر 5 سنوات تجاوزت إجمالي المصروفات المقررة في الميزانية العامة، رغم كل اتجاهات الترشيد وضبط الإنفاق.فإعلان وزارة المالية هذا الاسبوع حجم السحوبات من الاحتياطي العام في الأعوام 2015 – 2017 والتي بلغ إجماليها نحو 28.5 مليار دينار، يضاف إليها 4.659 مليارات في عام 2013، إلى جانب 8.206 مليارات دينار لعام 2014، مما يعني ان الحكومة سحبت من الاحتياطي العام للدولة خلال 5 سنوات ما يعادل 41.365 مليار دينار توازي ميزانية الكويت لـ 2.17 سنة، وهو من ناحية معدل غير مسبوق، مقارنة بالسحوبات من الاحتياطي العام منذ بداية تأسيس الدولة، فضلا عنه أنه من ناحية ثانية يفسر جانباً مهماً مما تناقلته تقارير غير رسمية عن انخفاض في قيمة الاحتياطي العام، بحدود 40 في المئة ليبلغ نحو 30 مليار دينار!
توزيع السحوبات
وإذا كان من الإنصاف القول إن 56.8 في المئة من سحوبات السنوات الخمس الأخيرة حسب إفصاحات وزارة المالية كانت مرحّلة لصندوق احتياطي الأجيال القادمة؛ فإن هناك نسبة باقية هي 43.2 في المئة تعادل 17.865 مليار دينار صرفت خارج الميزانية لتغطية نفقات عسكرية وحصص من رساميل شركات حكومية أو هيئات محلية او مؤسسات دولية تساهم فيها الكويت ومؤسسة الرعاية السكنية وبنك الائتمان وصندوق الأسرة، فضلاً عن تغطية العجز الاكتواري الخاص بالمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، وهذه كلها مصروفات لا تظهر في أبواب الميزانية العامة للدولة، لأنها تندرج ضمن السحوبات او الاقتراض من الاحتياطي العام.مستمرة ومتزايدة
هذه البيانات تشير إلى أن مصروفات ميزانية الكويت خلال السنوات الأخيرة اكبر من حجمها المعلن، بمتوسط يصل الى 30 في المئة، وبالتالي فإن العجز في الميزانية سنويا سيتصاعد تباعا مع النسبة السابقة، خصوصا ان معظم بنود الصرف خارج الميزانية ليست قصيرة الامد، أو تدفع لمرة واحدة، بل ان بعضها مستمر ومتزايد؛ كالمصروفات العسكرية التي تم فتح اعتماد مالي جديد لها للسحب من الاحتياطي العام بقيمة 6 مليارات دينار، موزعة على 10 سنوات، اعتباراً من 2015 لدولة كالكويت نما الإنفاق العسكري فيها بنحو 110 في المئة خلال 8 سنوات، حتى بلغ نحو 3.3 في المئة من الناتج المحلي.عيوب الاقتطاع
تتجسد خطورة الإنفاق من خارج الميزانية، وتحديدا من الاحتياطي العام، على أكثر من صعيد؛ كأن يخلق بند من المصروفات والالتزامات مصدره اقتطاع «اللحم الحي» من الأصول والمصدات المالية التي يجب المحافظة عليها وتنميتها لمواجهة حالات مالية طارئة او مستجدات غير محسوبة، كما انه يقلل من أهمية الميزانية الرسمية للدولة، بوصفها سقفا اعلى للمصروفات، وبالتالي يخفض من اهمية ترشيدها، مادامت هناك مصروفات اخرى خارجية، والاهم انها اقتطاع نسبة الـ10 في المئة من الايرادات النفطية الى صندوق الأجيال القادمة محدود الأثر، مادام سيقابله سحب او اقتراض من الاحتياطي العام.توسع الإنفاق
هذه السياسات المتوسعة في الانفاق تتوازى مع توجه الدولة القوي نحو سوق الديون السيادية، دون أن يقابل نمو الانفاق والاقتراض خطط واضحة للإصلاح الاقتصادي، مما يجعل الاستدانة بمليارات الدنانير أداة أخرى او بديلة او ثانوية لتمويل الإنفاق العام المتصاعد من داخل الميزانية أو خارجها، دون وجود مردود اقتصادي يدير أو يمول الدين العام ويضمن إعادة سداده في المواعيد والآجال المستحقة، مما يعني كلفة اكبر، لا على الفائدة او تسعير السندات، بل على الاقتصاد وربما المجتمع بشكل عام.وحتى لو كان السحب من الاحتياطي العام اقتراضا فإنه يعظم الدين العام من ناحية، ويؤخذ عليه من ناحية اخرى غياب الخطط الاقتصادية التي تجعل هذا السحب او الاقتراض غير مكرر، أو على الاقل ليس من السلوكيات المعتادة لتمويل المصروفات من خارج الميزانية.عبرة واعتبار
لا يحتاج الأمر لكثير من البحث على الإنترنت لأخذ العبرة من دول كاليونان والبرتغال وفنزويلا انهكها الانفاق من الاصول، ثم كثرة الديون المرتبطة بغياب الحل الاقتصادي، وتاليا دخول هذه الدول تحت رحمة الدائنين بكل الانعكاسات السلبية على البطالة والتضخم والخدمات وتقلص الطبقة الوسطى لمصلحة نظيرتها الفقيرة، وهي كلها توسعت في الانفاق فواجهت ازمتها بالاقتراض دون حل جوهري او اعتبار لأصل ازماتها، فدخلت في مصيدة الديون بكل «شرباكتها».حساب العُهد
والحديث عن الإنفاق سواء كان منضبطاً أم لا يجر الى حديث عما اعلنته وزارة المالية الاسبوع الماضي عما يتعلق بصرف نحو 3.8 مليارات دينار من أرصدة حساب العُهد التي اوردت الوزارة أنها «ترحل للسنوات اللاحقة لضمان متابعتها وتسوية المستحق منها، لأنها تعتبر أحد مكونات النظام المالي في الكويت وتستخدم لأغراض محاسبية ورقابية»، وكان من الاولى لضمان مزيد من الشفافية ان توكل مهمة التدقيق الى مكتبين منفصلين لتدقيق الحسابات، اذ لا يعقل ان يدقق اي جهاز على نفسه ويعلن سلامة موقفه بناء على مرئياته، خصوصا ان حساب العُهد ظل يتراكم لأكثر من 25 عاما، حتى بلغ هذا المستوى المتضخم من العُهد.أولى الأولويات
ضبط الميزانية وإعادة هيكلتها في الاوضاع المالية الطبيعية يعتبر ضرورة للجهاز التنفيذي للدولة، أما في وقت المصاعب المالية والعجز المالي والتوجه الى سوق الديون فهو اولى الاولويات؛ لأن الإخلال بأبواب الصرف من داخل الميزانية وخارجها حتما سيسرع من استهلاك الأصول والاحتياطات خلال فترة وجيزة، وهو أمر أضراره الاقتصادية والاجتماعية والسياسية دون شك وخيمة.
التزامات غير معلنة لتغطية نفقات التسلح والتأمينات وشركات ومؤسسات محلية ودولية