لا كالي لويزا، التي تقع بين محجتَي السياح إيسلا فيردي وكوندادو، حي فقير وسخ تحوّل إلى موقع جميل مميز يحتوي على أمثلة ملونة من الهندسة الاستعمارية، التي صارت تضمّ اليوم مجموعة متنوعة من المتاجر، والحانات، وصالات العرض، والمطاعم، وأخيراً الشقق الكبيرة والصغيرة.كما هي الحال دوماً في مناطق مثل وينوود ولا كالي لويزا، يكون الفنانون أول الواصلين: رسامو لوحات وجداريات ونحاتون. يستخدمون الأرصفة وزوايا الشوارع كاستوديوهات ينشرون فيها فنهم. وترى ثمار عملهم في كل مكان، من الفن الشعبي الشبيه بما يقدّمه آندي وارهول إلى أبواب الأبنية بحدّ ذاتها المكتسية بألوان قوس القزح.
لكنّ الوافدين الجدد إلى هذه المنطقة فنانون من نوع آخر: فنانون في عالم الطهو. في هذه الشوارع التسعة من المدينة، تعثر على نحو 30 مطعماً وشاحنة طعام تقدّم شتى الأطايب من الهوت دوغ إلى الأطباق الفاخرة. ويساهم هذا كله في ترسيخ سمعة سان خوان المتنامية كعاصمة الطبخ الجديدة في منطقة الكاريبي. ونتيجة لهذا الغنى، تحوّلت جولتي سيراً على القدمين إلى جولة تذوق.بدأت في مقهى بيار في ردهة فندق دوبلتري. تترافق المقبلات، التي تعدها الطاهية مايرا هيرنانديز التي تزداد شهرة، مع مشروب المطعم المميز: مسحوق التمر هندي.انتقلت بعد ذلك إلى «سيلك». يبدو هذا المطعم بتصميمه الغريب، وضوئه الخافت، وأطباقه الآسيوية أقرب إلى بانكوك وبكين منه إلى سان خوان. وجاءت مجموعة المشروبات الباردة والساخنة، التي يقدّمها، لتكمل طبقَي سلطة السلطعون الحارة وتاتاكي التونة اللذيذين اللذين استمتعت بهما.كان كافياً أن أسير خمس دقائق لأنتقل من آسيا إلى الأرجنتين إلى مطعم Agarette Catalina. ومع شرائح اللحم المميزة وشراب العنب الغني اللذين يقدمهما، ظننت أنني في أحد مطاعم بوينس آيرس.
سان خوان القديمة: قلب المدينة الاستعماري
من أسوار قصر مورو إلى ساحة أرماس فكاتدرائية سان خوان بوتيستا، تتألف مدينة سان خوان القديمة من 35 حياً مربعاً يمكننا وصفها بالمتحف الحي. يرسم نحو 400 مبنى يعود إلى القرنين السادس عشر والسابع عشر ألوان قوس القزح، في حين تكتسي أسوارها وبواباتها الحديد المزخرفة وشرفاتها المزينة بنبتة الجهنمية البنفسجية والأرجوانية.لتحصل على لمحة شاملة عن هذه المدينة، استقل حافلة مفتوحة صعوداً حتى قصر مورو، وهو قلعة تعود إلى القرن السادس عشر ترتفع 42 متراً تقريباً عن سطح البحر وتضمّ ستة طوابق. يبدو هذا القصر قاتماً ومنيعاً بأبراجه، وأسواره، وحصونه، وبُني لحماية المدينة من الغزاة الأوروبيين والقراصنة الكريبيين.أما قلعة سان كريستوبال، التي ترافق قصر مورو، فتُعتبر أكبر الحصون الإسبانية في العالم الجديد (10.9 هكتارات). وأُدرج هذا الحصن مع ما تبقى من أسوار المدينة الأصلية على لائحة اليونسكو للتراث العالمي.تشمل مصادر الجذب الأخرى ساحة أرماس ونافورة الفصول الأربعة التي تضمها، ومنتزه لاس بالوماس (الحمام)، وكنيسة كريستو المجاورة، حيث يروي مذبح مكرّس «للمسيح سيد العجائب» قصة خيال سقط ليلاقي حتفه عن الجرف الشاهق أو نجا عجائبياً من سقوط مماثل، ذلك وفق النسخة التي تسمعها من القصة.أما المعلم الآخر الذي يجب ألا تفوّت زيارته، فهو كاتدرائية سان خوان بوتيستا، التي تضمّ ضريح المستكشف الإسباني خوان بونسي دي ليون، الذي ربما أخفق في سعيه إلى العثور على ينبوع الشباب، إلا أنه مهّد الدرب أمام ولادة سان خوان ببناء مستعمرة هناك في عام 1508.في الجهة المقابلة من ساحة صغيرة أمام الكاتدرائية، يقع فندق سان خوان الأكثر عراقة، إل-كونفنت. بُني في القرن السابع عشر ليكون ديراً كرملياً، وما زال بغرفه الثماني والخمسين يحافظ على طابع ماضيه الغني مع الباحة المركزية والأثاث الأصلي في كل غرفة، بما فيه البلاط المنحوت باليد، والصناديق القديمة المزخرفة يدوياً، ودعامات خشب الماهوغاني التي تحمل السقف.تضمّ الباحة مطعم الفندق «باتيو ديل نيسبيرو»، الذي يحتوي على شجرة بشملة (نيسبيرو) عمرها 300 سنة استوردت من إسبانيا.كوندادو... شاطئ سان خوان النابض بالحياة
إذا كانت سان خوان القديمة تشكّل ذكرى حية من ماضي هذه المدينة الاستعماري الزاهي، فمنطقة كوندادو تمثّل مستقبلها المشرق. قارنها كثيرون بميامي لما تمتاز به من مياه فيروزية براقة وشواطئ مغطاة برمل أبيض ناعم. لذلك تشكّل هذه الرقعة الجميلة من الساحل مركز مطاعم الجزيرة الفاخرة، ومتاجرها الراقية، وحاناتها الليلية، وكازينوهاتها، وفنادقها المميزة.أحد أكثر هذه الفنادق رقياً «كوندادو فاندربيلت»، الذي يعود إلى عام 1919 حين بدأ فريدريك وليام فاندربيلت ببناء هذا العقار وفق طراز «الفنون الجميلة». يمتاز هذا الفندق بجدرانه البيضاء، وبلاطه الأحمر، ونوافذه الفرنسية، وسقفه العالي، فضلاً عن مساحة جميلة جداً من الشاطئ.صحيح أن هذا الفندق خضع لعملية ترميم دقيقة أضافت إليه متطلبات الحياة العصرية الراقية، إلا أنه ما زال يحافظ على طابعة الخاص، ما يذكّرنا بأماكن تاريخية مماثلة، من بينها بالتيمور في ميامي، ورويال هاواين في هونولولو.في «كوندادو فاندربيلت»، تُشكّل خدمة النادل، والمنتجع العالمي الطراز، والحانة الدائمة الحركة في الردهة بعض المنشآت المتوافرة. فيضمّ هذا الفندق أيضاً مطعمَين فاخرين، فضلاً عن مطعم «أولا» الأكثر شعبية (لا تفوّت في هذا المطعم تذوق بانكيك اليقطين المحشو بجبنة ريكويزون المحلية والمطلي بخثارة الليمون الحامض lemon curd).يتجاهل سياح كثر سان خوان، معتبرينها مجرد مرفأ آخر تتوقف فيه السفن السياحية. ويعتقدون أن بضع ساعات كافية لزيارتها والتبضع في أسواقها. لكن مرفأها يزدحم بالسفن يومياً، وإذا غامرت مبتعداً بضعة شوارع عن الباعة الجوالين المنتشرين في كل مكان مع بضائعهم، فستعثر على إحدى المدن التاريخية الأكثر حيوية في النصف الغربي من الكرة الأرضية. تتمتع هذه المدينة بتاريخ بارز، ولا شك في أن مستقبلها سيكون مشرقاً.