مصر| الوراق... «حلم مانهاتن» مازال يراود الحكومة
الأهالي: نقبل التطوير ونرفض التهجير
"والله لو دفعوا لنا مال قارون... ذكرياتنا في الجزيرة أغلى من فلوس الدنيا، سكان الجزيرة زي السمك يا بيه، لو طلع من البحر يموت"، بكلماتٍ حادة لا تعرف الانكسار، حاول الفلاح المصري الستيني، محمد عبدالقادر، أن يقنع المحيطين به من أهالي جزيرة "الوراق"، أن لا أحد يترك بيته مهما حصل، بينما كان الجميع يؤكدون له أن الموت سيكون السبيل الوحيد للدفاع عن فكرة البقاء على هذه الجزيرة. عبدالقادر، مثل كل سكان الجزيرة الواقعة وسط النيل، بين محافظتي القاهرة والجيزة، بدا في حيرة من أمره، بسبب موقف الحكومة المصرية من الجزيرة، التي تبلغ مساحتها 1400 فدان، فبعدما نسيتهم عدة عقود، عادت -الأسبوع الماضي- وتذكرتهم، بينما زاد الحديث همساً عن إمكانية نقلهم إلى مكانٍ آخر، استجابة لأطماع مُستثمرين، يحلمون -على ما يبدو- بإقامة مدينة تشبه حي "مانهاتن" التجاري، في قلب العاصمة المالية للعالم، "نيويورك"، والتي تقع على مصب نهر هدسون.الرغبة المحمومة من قبل مستثمرين في وضع أيديهم على الجزيرة الأكبر على نيل العاصمة، لإقامة مشروعات استثمارية ضخمة، تزامنت مع إعلان حكومة شريف إسماعيل، عزمها تنفيذ 700 قرار إزالة، صادرة بحق من تتهمهم بوضع أيديهم على أراض من أملاك الدولة، وهي الاتهامات التي يرفضها السكان، لدرجة أن الحكومة اضطرت إلى الانسحاب من الجزيرة الأحد الماضي، بعدما شرعت في إزالة بعض البيوت فعلاً، لكن اشتباكات بين الأمن والأهالي استخدم فيها الغاز المسيل للدموع وطلقات الخرطوش، وسقط خلالها قتيل من الأهالي، يدعى "سيد الطفشان"، وأكثر من 20 جريحاً، دفعت الحكومة إلى التراجع، أمام غضب الأهالي دفاعاً عن بيوتهم.
هنا يشعر الأهالي للأسف أن الحكومة "لا تتذكرهم إلا في الأحزان فقط"، وأن كل تصرفاتها لا تحمل إليهم -نحو 120 ألف نسمة- إلا شقاء جديداً، فقد تجاهلت مد المرافق إليهم، سواء من مياه الشرب أو الصرف الصحي، ورغم أن الأهالي كافحوا صباح كل يوم للبقاء على قيد الحياة، فإنهم لم يتوقعوا أن تقود الحكومة -التي لا تعرف عنهم شيئا تقريباً- جهودَ طردهم.يشارك محمد عبدالقادر عشرات الوجوه العابسة في الوقوف على الشاطئ بانتظار إحدى "العبارات" المتهالكة، وهي وسيلة الانتقال الوحيدة من وإلى الجزيرة، يحكي كيف أن السكان قاموا بأنفسهم -خلال العقود السابقة- ببناء بيوتهم البسيطة في ظل غياب كامل للحكومة القريبة بمقراتها، وأضاف منفعلاً: "بعد ما بنينا الجزيرة بعرقنا ودمنا الحكومة جاية النهاردة عايزه تاخدها مننا، طب أعيش فين أنا وولادي، وناكل منين ونشتغل ايه؟... وفين؟".جولة واحدة في أي من شوارع الجزيرة، تكفي لتكتشف أنك فوق سطح كوكب من العشوائية، وقدر لا يستهان به من التشوهات العمرانية، المكان بحاجة ماسة إلى التطوير، يقول الأهالي إنهم لا يرفضونه، بشرط أن يكونوا هم جزء من هذا الكيان المطور، يقول محمد عبدالقادر، وهو ينقل رجله من فوق العبَّارة المتهالكة، إلى أرض الجزيرة: "يا باشا إحنا مش رافضين التطوير ولا نرفض أن تأخذ الدولة حقها، لكن التطوير يحصل وإحنا فيها".