إخراج المؤسسات الأميركية من هيمنة البيروقراطية
يعكس الهبوط الحاد في الشركات العامة المدرجة بالولايات المتحدة خلال العقدين الماضيين المشاكل العميقة في بنية الأسواق المالية، وهذا يضر بالمواطن العادي من خلال حرمانه الاستثمار في شركات ديناميكية.
المعروف خلال الفترة القصيرة الماضية أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب وعد بإحداث هزة اصلاحية في أوساط الشركات المالية في الولايات المتحدة الأميركية، وإخراج تلك الشركات من ركام وبقايا ما يوصف بالأنظمة المحبطة والضعيفة الأداء ومن قبضة الوسط البيروقراطي الذي تتسم عناصره بقلة الخبرة العملية في ميدان رأس المال. وقد تمثلت واحدة من الطرق التي يمكن أن تفضي إلى تحقيق ما وعد الرئيس ترامب به في هذا الصدد في اتخاذ الرئيس الأميركي قراراً يقضي بتعيين عدد من المسؤولين من ذوي الخبرة المعروفة ومن أصحاب الخلفية في ميادين العمل التجاري وأجندات البعد عن قيود التنظيم التقليدية. وقد تم عرض هذا العنصر من استراتيجية الرئيس ترامب المشار اليها لهذه الغاية منذ أيام وذلك عن طريق طرح الرئيس لترشيح شخصية جديدة لتسلم مهام رئاسة مجلس الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي الأميركي)، ومن خلال أول خطاب عام يلقيه الرئيس الجديد للجنة الأسهم والمبادلات في الولايات المتحدة والتي تعتبر جهة تنظيمية اخرى.وتجدر الإشارة إلى أن القانون الذي يرجع إلى فترة رئاسة باراك أوباما والذي اشتملت عليه الصفحات الضخمة المتعددة من القانون المعروف بإسم دود – فرانك والذي تم اقراره على شكل رد على الأزمة المالية العالمية قد تمثل في تشكيل وظيفة اشرافية جديدة في مجلس الاحتياطي الفدرالي، وعلى أي حال، وحتى الآن على الأقل كانت تلك الوظيفة ذات الأهمية البارزة قد أوكلت بشكل غير رسمي الى واحد من أعضاء مجلس ادارة مجلس الاحتياطي الفدرالي، وكان الأول هو دانييل تارولو، ثم منذ مغادرته، تم اختيار خليفة له هو جيروم باول. ولكن هذا الحال قد أصبح معداً للتغيير في الوقت الراهن، وتم بشكل رسمي ترشيح راندال كوارليس لتسلم هذا المنصب المهم – وهو من الوجهة الفنية نائب رئيس ويتمتع بسلطة اشراف مالي – وذلك في الحادي عشر من شهر يوليو الجاري.
الخلفية العملية الواسعة
وسبق للسيد كوارليس أن شغل في الماضي العديد من الوظائف المهمة، بوصفه محامياً لمؤسسات مالية لدى ديفيز بولك وهي شركة محاماة بارزة اضافة الى عمله في منصب مسؤول رفيع في وزارة الخزانة الأميركية كما عمل في ميدان الاستثمارات المصرفية لدى كارليل وهي شركة تنشط في ميدان الأسهم الخاصة وشغل في فترة قريبة جداً منصب رئيس لشركة سينوسور التي تعمل في مجال الاستثمار نيابة عن العائلات الثرية في الولايات المتحدة الأميركية. ويتعين القول إنه إذا تمت المصادقة على هذا الاختيار من قبل مجلس الشيوخ فإن السيد كوارليس سوف يحصل على مكتب له في المبنى الذي تمت تسميته تيمناً بالسيد مارينر ايكليس الذي شغل منصب رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي في الفترة الممتدة ما بين سنة 1934 وحتى عام 1948، وهو أحد أقرباء زوجته "هوب".الحرص على الشفافية
وكان السيد كوارليس يوصف من قبل زملائه السابقين بأنه الشخصية التي اشتهرت بتفضيل وتحبيذ السياسات القائمة على الشفافية والقوانين والأحكام المباشرة، وإذا كان الحال على هذا النحو فهذا سوف يمثل على صعيد الواقع تحولاً من أسلوب ادارة باراك أوباما ازاء التمويل. وكان ذلك ينطوي على وفرة من التوجيهات المعقدة والمتضاربة في البعض من الأحيان مع ابقاء المراقبين للبنوك في حالة ترقب لمواجهة اختبارات جهد كانت تفتقر الى معايير واضحة. وقد خلق ذلك حالة واسعة من عدم اليقين والشك بالنسبة إلى المؤسسات المالية بصورة عامة كما أنه منح الجهات التنظيمية أيضاً ما يوصف بقوة وسلطة استنساب ناهيك عن الفرص المجزية المتمثلة في مساعدة المؤسسات المالية على شق طريقها وسط المياه العكرة.من جهة اخرى، وفي ما يمكن أن يمثل مؤشراً آخر على تغير أسلوب التعامل ألقى جاي كلايتون، الذي تم تعيينه في منصب رئيس لجنة الأسهم والمبادلات في شهر مايو الماضي، أول خطاب عام له في الثاني عشر من شهر يوليو الحالي أمام النادي الاقتصادي في مدينة نيويورك. وهو يرأس أيضاً وكالة تتسم بقدر كبير من الاضطراب العميق. ولا يزال يتعين على الوكالة كتابة ثلث القوانين الجديدة وفقاً لقانون دود – فرانك، كما يطلب من اللجنة شغل ثلاث من الوظائف الخمس. وتجدر الاشارة الى أن آخر مرشحين اثنين في عهد الرئيس السابق باراك أوباما قد أخفقا في الحصول على موافقة على تعيينهما بسبب ما وصف بخلافات عقائدية عميقة في الكونغرس الأميركي في ذلك الوقت، ثم إن المهام الثلاث المتعلقة بلجنة الأسهم والمبادلات والمتمثلة في حماية المستثمر والأسواق العادلة والفعالة وتسهيل تشكيل رأس المال كانت تعتبر في معظم الأحيان متعارضة بعضها مع البعض الآخر أو أنها غير مفهومة بصورة كافية.مشاكل عميقة
وقد أسهب خطاب السيد كلايتون في شرح فرضية طرحت أولاً خلال جلسة تثبيته في منصبه الجديد، وتقول إن الهبوط الحاد في الشركات العامة المدرجة في الولايات المتحدة خلال العقدين الماضيين يعكس المشاكل العميقة في بنية الأسواق المالية. ويفضي هذا بدوره الى ضرر يصيب المواطن الأميركي العادي من خلال حرمانه من فرصة الاستثمار في شركات ديناميكية.وقال كلايتون إن من بين أسباب هذا الهبوط كان التأثير التراكمي لمتطلبات الافصاح والكشف التي مضت الى ما هو أبعد من الفكرة الأساسية المتعلقة بالمستثمر. وكان البعض من هذه المتطلبات يهدف إلى توفير منافع غير مباشرة إلى "شريحة معينة من المساهمين". وكان ذلك في نظر الكثيرين هجوماً على نشطاء يستخدمون مستويات ومقاييس الافصاح من أجل دفع الشركات نحو قضايا اجتماعية وليس قضايا تجارية، كما أن التقيد الإضافي تراكم على تكلفة الشركات المدرجة التي كان يمكنها تفادي ذلك من خلال بقائها شركات خاصة.التغيير الأول
كان التغيير الأول في عهد كلايتون واضحاً، وفي العاشر من يوليو الجاري دخل قانون جديد حيز التنفيذ وأفضى الى زيادة حجم العتبة التي يسمح فيها للشركات بالتقدم بطلب تسجيل خاص من أجل زيادة رأس المال لدى لجنة الأسهم والمبادلات وتتمكن من خلال هذا الاجراء من تأجيل الافصاح عن معلومات حساسة قد تستخدم ضد تلك الشركات من قبل مجموعات منافسة.ويقول أحد المحامين إن الشركات تعتبر عملية الافصاح مشابهة للتعري في مكان عام وبالتالي فإن هذا يدفعها الى البقاء شركات خاصة. ثم إن قانون التغيير في لجنة الأسهم والمبادلات يعتبر صغيراً، ولكنه قد يشير الى تغير أوسع في فلسفة العمل التنظيمي، وإذا لم ينجح السوق مع الشركات فإنه لن ينجح عندئذ مع العامة.
في مواجهة الأزمة المالية العالمية أقرت الولايات المتحدة قانونها المعروف باسم «دود فرانك»
وفقاً لمقولة أحد المحامين فإن الشركات تعتبر الإفصاح عملية مشابهة للتعري في مكان عام وبالتالي فإن هذا يدفعها إلى البقاء شركات خاصة
وفقاً لمقولة أحد المحامين فإن الشركات تعتبر الإفصاح عملية مشابهة للتعري في مكان عام وبالتالي فإن هذا يدفعها إلى البقاء شركات خاصة