لا أستطيع تخيل الداعية أو الشيخ عمرو خالد شخصية تمثلني دينيا، أستطيع تخيله شخصية تمثلني في إحدى النقابات العمالية، ولتكن مثلا نقابة عمال مصانع الحديد أو ما شابه، أما أن يقدم لي منهاجا دينيا بهذه الطريقة التي يقدم بها خطابه الديني أو الوعظي وبمخارج الأحرف والنظرات الغائرة فلا يبدو لي مقبولا، وإن كان له جمهوره العريض، كان عليه أن يتدرب طويلا أمام المرآة على الحضور الإعلامي قبل المجازفة بتقديم نفسه داعية لا يشق له غبار. عمرو خالد يبتعد كثيرا عما يمس مجتمعه من مآس ومشاكل، ولا يرى نفسه أكثر من داعية يهتم بالأمور التي لا تشكل ضررا على بقائه إعلاميا ناجحا في المقام الأول. ومع ذلك بالإمكان أن نتقبله ونترك لجمهوره العريض محاسبته، أما أن يتحول الرجل إلى "فاشينستا" ديني، ويعرض منتجات عطرية مستغلا إعجاب الشباب به كداعية يرتدي لباسا مغايرا للباس الدعاة الذين اعتادوا فتلك مسألة تحتاج إلى وقفة.على الجانب الآخر، يقدم لنا الشيخ والداعية صاحب الخطاب الأكثر تناقضا محمد العريفي، الذي يمتلك كاريزما الداعية، على النقيض من صاحبه السابق، ولكنه ساهم كثيرا في تأجيج الصراع الطائفي، وقدم الكثير من الشباب في قضية يمكن أن نطلق عليها "ثائر بلا سبب". كان العريفي يرى أنه يدعم الخلافة الإسلامية التي يراها قادمة لا ريب فيها كبديل للأنظمة العربية الحالية، ولكنه أيضا وبدون مناسبة تحول إلى "فاشينستا" يروج للبخور والعطور لإحدى الشركات التجارية.
الشيخ سلمان العودة حلق لحيته وأعاد قراءة باب اللحية التي كانت تمثل خطا أحمر أمام صاحب الخطاب الديني، وتشكل الهيئة الخارجية للمتدين هويته وتحمل دلالات فكره. وهو بذلك يخرج من هذه الهوية النمطية لهوية أكثر تساهلا، ويقدم صورة جديدة للمتدين، وكأن الصورة القديمة لم تعد مقبولة اليوم. دلالة كل هذا هو خروج أصحاب الخطاب من الخطاب.تفوق الخطاب الديني منذ عام النكبة أو الهزيمة القاسية، التي مني بها العرب عام 1967، على الخطاب التقدمي أو الليبرالي، والذي تراجع تحت ضغط الحكومات العربية. وكان الدور الذي لعبه الرئيس السادات في مصر لتمكين هذا الخطاب دورا حاسما أفاد منه التيار الديني ليس في مصر فحسب وإنما في أغلب الدول العربية. وتراجع الخطاب التقدمي طوال هذه الفترة أضاع منه فرصة إقامة جيل ثان أو ثالث، وهو ما يعاني منه حتى اليوم.في القادم من الأيام تشير كل الدلالات على فشل الخطاب الديني الذي قدمته الجماعات الإسلامية، وحتى الآن لا نرى إمكانية نمو الخطاب التقدمي كبديل يحتاجه الفرد العربي الذي يشعر بحالة من الضياع. فإذا كان أصحاب الفكر التقدمي يعتقدون أن المؤسسة الرسمية ستختارهم بديلا لأصحاب الفكر الديني فهم واهمون، لن تقدم المؤسسة سوى من تستطيع شراءهم من المثقفين وأشباه المثقفين، كما ستتخلص من أصحاب الخطاب الديني إلا من يسير في ركابها، أو من يقبلون بتغيير ثيابهم وتهذيب لحاهم، ستبعد أصحاب الفكر الحر في محاولة لمسك العصا من المنتصف. لن ينهض الفكر التقدمي إلا بجهد ذاتي يستغل وسائل التواصل العديدة المتاحة اليوم، والتي لا تتحكم فيها المؤسسة الرسمية كثيرا.الأيام القادمة حبلى ولننتظر!
توابل - مزاج
البخور «المقدس»
23-07-2017