الصلاة مقاومة... والدفاع عن الأقصى انتفاضة شعبية
بعكس تمنيات نتنياهو، تحولت الصلاة في فلسطين إلى مقاومة وطنية، وتجاوزت مهمة الحفاظ على المسجد الأقصى والقدس كل الانقسامات السياسية، ووحدت مكونات الشعب الفلسطيني وتياراته.
لعل يوم الجمعة الحادي والعشرين من يوليو سيدخل التاريخ باعتباره لحظة تحوُّل حاسمة في تاريخ النضال الفلسطيني من أجل الحرية، ولربما يُسجَّل باعتباره يوم البداية الحقيقية لانتفاضة شعبية ثالثة ضد الاحتلال والظلم، ونظام التمييز العنصري.فما شاهدناه، وعشناه، في شوارع القدس طوال الأسبوع الذي فصل ما بين منع الصلاة في المسجد الأقصى، ومن ثم إغلاق ثمانية من أبواب المسجد العشرة، وتركيب البوابات المرفوضة، وبين جمعة الحادي والعشرين من يوليو، كان عملية انتزاع شعبي فلسطيني لزمام المبادرة، دون انتظار توجيهات من أحد. فمن يوم لآخر تصاعد عدد المشاركين في الصلوات الرافضة للإجراءات الإسرائيلية من عشرات إلى مئات ثم إلى الآلاف.
وقد شاركت بنفسي ورأيت المظهر الرائع لعشرات آلاف المصلين في شارع صلاح الدين، وباب الأسباط، ووادي الجوز، وهم يتَحدَّون إجراءات الاحتلال ببسالة مقدسية لا مثيل لها.وكما كان متوقعاً انتشرت الصلوات الشعبية المقاومة للاحتلال إلى كل أحياء القدس ومحيطها وإلى مدن كبرى كالخليل ورام الله وغزة وإلى المدن والبلدات الفلسطينية في الداخل. وعلى عكس تمنيات نتنياهو، تحولت الصلاة في فلسطين إلى مقاومة وطنية، وتجاوزت مهمة الحفاظ على المسجد الأقصى والقدس كل الانقسامات السياسية، ووحدت مكونات الشعب الفلسطيني وتياراته. وكان من أجمل مظاهر الأخوة الوطنية رؤية إخوة مسيحيين يحملون الأناجيل ويشاركون إخوتهم المسلمين صلاة المقاومة. لم تقتصر إجراءات نتنياهو على وضع البوابات المرفوضة على مداخل الأقصى، بل شملت إقرار حكومته لقانون يشطب عملياً قضية القدس من أي مفاوضات سياسية، ويحاول تكريس ضم وتهويد القدس بكل مكوناتها. وترافق ذلك مع تصاعد جنوني في التوسع الاستيطاني، وتعالي صيحات رفض قيام دولة فلسطين من قبل وزراء نتنياهو، الذين أرسلوا رسالة للعالم وللفلسطينيين مضمونها واضح، لا للسلام، لا لدولة فلسطينية، ولا لحرية الفلسطينيين. رسالة تؤكد أن برنامج نتنياهو الوحيد هو نظام الأبارتهايد والتمييز العنصري الأسوأ في تاريخ البشرية. وقد رد الشعب الفلسطيني على ذلك وسيواصل هذا الرد، بالانتفاضة والمقاومة الشعبية. لكن هناك ما هو مطلوب أيضاً على الصعيد الرسمي الفلسطيني، بما يتناسب مع الفعل الشعبي والتضحيات التي يقدمها الشعب الفلسطيني، وبما يحقق التأثير المطلوب في الحكومة الإسرائيلية الممعنة في غطرستها وعنصريتها.وأول ما هو مطلوب الوقف الكامل والشامل للتنسيق الأمني. والمطلوب ثانياً إعلان رفض مبدأ التفاوض مع حكومة نتنياهو ما دامت تواصل الاستيطان وشطب قضية القدس.والمطلوب ثالثاً، تبني الدعوة لفرض العقوبات على إسرائيل.والمطلوب رابعاً، تنفيذ إحالة إسرائيل فوراً إلى محكمة الجنايات الدولية.والمطلوب خامساً، بذل كل جهد ممكن لإنهاء الانقسام وتشكيل قيادة وطنية موحدة تتبنى إستراتيجية وطنية بديلة لما فشل من نهج المفاوضات، وتركز على تغيير ميزان القوى لصالح الشعب الفلسطيني. أربعمئة وخمسون جريحاً فلسطينياً أصيبوا يوم الجمعة الماضي برصاص وعدوان الاحتلال، وثلاثة شهداء شباب قدموا حياتهم قرباناً لحرية شعبهم، وأكثر من ثلاثمئة جريح آخر أصيبوا خلال أيام الأسبوع الماضي. ولن تذهب تضحياتهم هدراً، لأن الشعب الفلسطيني يثبت مرة أخرى أنه أكبر وأعظم ممن يقهرونه ويحتلونه، وأنه الأقدر في المنعطفات التاريخية على انتزاع المبادرة. * الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية