ما وراء «الخلية»!

أول العمود:

منذ شهرين كانت تحذيرات تناول السمك بسبب تلوث الجون في أوجها، اليوم وبشيء من السرور، تُعرَض كميات من السمك بسبب حلول مواسم صيده... من الجون أيضاً، هناك خلل في الذاكرة!

***

يبدو أن قدر الكويت، دولة ومجتمعاً، العيش في دوامة الشد والجذب الطائفي والفئوي لفترة قادمة قد تطول إلى أن تهدأ النيران المشتعلة في الإقليم المحيط، وأجد أن ما يجرى اليوم من حديث مذموم حول هروب المحكومين بقضية ما يسمى بـ"خلية العبدلي" لا يعدو كونه نتيجة لسببين، الأول هو نفاذ بعض أجندات الدول المجاورة في شؤون الكويت الداخلية، ووجود تربة صالحة لتنفيذها، وسنفسر معنى كلمة التربة لاحقاً. وثانياً، السياسات الحكومية المتساهلة أحياناً أو غير المنضبطة في أحيان أخرى تجاه المجاميع المسيسة، والدينية بكل تنوعها الطائفي، تحابي ذاك الفصيل وتواجه فصيلاً آخر، وتضرب هذا بذاك في قضايا آنية من خلال أحداث كثيرة شهدناها في مجلس الأمة وخارجه، لا توجد مسطرة واحدة في التعامل مع جميع الأطياف، وهو أصل القضية وجوهر الدستور.

ما حدث في مسألة "الخلية" إياها يحدث في بلدان كثيرة، وهي على خطورتها، تبدو غير عصية على الحل في بلدان أسست قوانين جيدة لإدارة صراعات المجتمع اليومية، ولا أجد أن الكويت فقيرة من مثل تلك القوانين، لكن الخطورة الماحقة تتضح في ترك الحبل على الغارب في مسائل التطرف والغلو من أي طرف كان، مُكَوِّن سني أو شيعي، ويبدو أن محور الجدل الذي تقوده أطراف شيعية دينية أو سياسية أو شعبية ضد المجاميع السنية المتطرفة يعود إلى سكوت حكومي مطبق عن ممارسات أشخاص امتهنوا "جهاد الكفار" خارج الحدود وداخلها والالتحاق بفصائل متطرفة ومجرمة كـ"القاعدة" وبناتها، لكن الخطأ الماحق الذي تفعله المجاميع الشيعية المسيسة هو ممارسة نفس السلوك الذي قام به الطرف الآخر، وهو التطرف، والذي تجلى في خلية عسكرية تخابرية تريد الشر للبلاد، وعناصر متطرفة يجري عمداً إيصالها إلى مجلس الأمة الذي فقد جزءاً كبيراً من دوره في تهذيب الصراع الاجتماعي.

بالطبع، هذا مشهد مأساوي، لكنه لا يخرج عما قلناه آنفاً، الصمت الحكومي بل والمتسيب تجاه من يحاولون شق هذا المجتمع وإيذاء كل من فيه. هذا التسيب هو التربة التي قصدناها في صدر المقال، تربة مريضة مليئة بالديدان الضارة كوّنها سماح رسمي لنواب يتدخلون للصفح عن مجرمين عائدين من "الجهاد"، أو قتلة جنائيين، أو السكوت عن مديح أنظمة دول أخرى بحجة مقاومتها للكيان الصهيوني، وإغماض العين عن إبداء الولاءات لجهات خارجية من على منابر سياسية ودينية.

حديث الحكومة عن اللحمة الوطنية والهوية الوطنية "حمل كاذب" لا يتعدى أغاني وطنية على خشبة المسرح، فلا توجد سياسات راسخة لتوطين هذا الشعور في النفوس، لا في التعليم المختطف، ولا في المساجد، ولا ممارسات الإدارة العامة التي ضربت أسس العدالة في مقتل، بل تطور الأمر إلى محاربة وتخويف العاملين في الشأن العام من خلال قمع جمعيات النفع العام التي باتت كالأصنام، في حين كان لها صولات وجولات في فترات سابقة في إيصال الرسائل الوطنية الحقة خلال الأزمات الداخلية والخارجية.

الموضوع، كما أحسبه وأراه، ليس للشيعة أو السُّنة دخل فيه، بل على الطرفين التصويب نحو السياسات الحكومية التي حفزت نوعاً من التربة لا تنبت فيه إلا الأعشاب الضارة.