يعد إعلان مظلة سياسية شاملة لأهم القوى السّنية، خطوة تضع حداً لتمزق وتشرذم خطيرين بين ممثلي المناطق الغربية في العراق، وهو تنسيق يحصل لأول مرة منذ انهيار «القائمة العراقية»، تزامناً مع انسحاب أميركا نهاية 2011.

ورغم محاولات أنصار رئيس الحكومة السابق نوري المالكي والأطراف المقربة على إيران، عرقلة ظهور تجمع شامل للقوى البارزة، التي تمثل المناطق السنية المحررة من تنظيم «داعش»، فإن تفاهمات وراء الكواليس مع رئيس الحكومة حيدر العبادي، ورعاية هادئة من الأمم المتحدة والتحالف الدولي، بموازاة تطبيع غير مسبوق بين بغداد والرياض، كانت في مجملها عوامل تسهل ولادة تحالف موحد يجمع بين المتنافسين البارزين السنة، خصوصا الحزب الإسلامي (اخوان)، وحزب تقوده عائلة النجيفي الموصلية، وتجمع قومي يرأسه رجل الأعمال البارز من الانبار خميس الخنجر، والسياسي الأنباري البارز رافع العيساوي، وهؤلاء ابرز المعارضين لبغداد منذ 2012، لكنهم باتوا اليوم جزءاً من حوار مع الحكومة يمكنه أن يشكل مدخلا لتسوية كبيرة بين المناطق الشيعية والسنية في البلاد.

Ad

وتحاول القوى المقربة على إيران عرقلة التفاهم مع قادة سنة فاعلين، ويحاول الإيرانيون تشجيع ظهور (أو اختلاق) طبقة سياسية سنية عشائرية مغمورة، لكن وجهة نظر الجناح الشيعي المعتدل تفترض أن الحوار والاتفاق على معالجة الملفات العالقة بشأن ادارة البلاد سياسيا وأمنيا، لابد ان يكون مع سنة مؤثرين ولديهم خبرة سياسية كافية، حتى لو كانوا معارضين لبعض سياسات بغداد.

وهناك مذكرات قضائية تلاحق الأسماء المعارضة لم يتمكن العبادي من التدخل لإلغائها اثناء حرصه على تجنب الصدام المباشر مع نفوذ المالكي وايران والفصائل المسلحة الداعمة، لكن هذا جرت حلحلته بطريقتين، إذ جرى اعلان المظلة السياسية الجمعة الماضية، عبر مؤتمرين صحافيين أحدهما في بغداد، والآخر في اربيل للشخصيات التي لم يمكنها دخول العاصمة بسبب ملفات قضائية كيدية في العادة. وإلى جانب ذلك فقد انتدب المطلوبون قضائيا، ساسة آخرين يمثلونهم في جولات الحوار التمهيدي في بغداد.

وأبدت القوى السنية بشكل عام مرونة كبيرة وتفهما للحرج الذي يحيط بمواقف العبادي أو رئيس التحالف الشيعي عمار الحكيم، ولم يعترض السنة على عرقلة العبادي مؤتمراً لهم بطريقة غير مباشرة، بل قام بعض المعارضين بزيارة السفارات العراقية في الأردن واسطنبول للتقدم بالتهنئة بمناسبة تحرير الموصل، وتسلموا جوازات سفر جديدة (رغم انهم منفيون وملاحقون قضائيا!)، في أول إشارة بارزة على البدء بمراجعة وضعهم القانوني. وتحث الأطراف العربية والدولية بغداد على اصلاح العلاقة مع المكون السني، تمهيدا لبناء استقرار راسخ يمنع تجدد التمرد المسلح الذي سهل ظهور «داعش»، وقد يكون مطلب انطلاق الحوار الداخلي شرطاً لاستمرار المساعدات الكبيرة التي تتلقاها بغداد من حلفاء دوليين وعرب.

وسيسهل ظهور هذه المظلة السنية الشاملة تهدئة الأجواء في المحافظات المحررة من «داعش» كالأنبار والموصل اللتين تعانيان شللا إداريا بسبب انقسامات حزبية، كما مثلت هذه المظلة الطرف الشرعي الذي يمكن للشيعة إبرام اتفاقات كبيرة وتاريخية معه بدأ المقربون من عمار الحكيم يسمونها «التنازلات غير المعتادة»، ويثيرون حفيظة المالكي والفصائل الموالية لطهران.

وتذهب طموحات انصار الحوار ابعد من ذلك، اذ بدأت اطراف اوروبية برعاية ملتقيات لممثلي فصائل سنية مسلحة كانت تقاتل الجيشين الأميركي والعراقي، بهدف استيعابها ودمجها في العمل السياسي ومشروع المصالحة، وتحتضن العاصمة التركية اليوم واحداً من سلسلة لقاءات بهذا الشأن يمكن أن تساهم في صوغ مستقبل الإدارة الأمنية لنينوى والأنبار، وهو موضوع حيوي في المفاوضات التمهيدية الدائرة بين بغداد وسنة العراق.