التشكيلي عصام معروف: التشكيل لا يعترف بالحدود والغرب يحترم الجديّة في الفن
يسعى الفنان التشكيلي المصري عصام معروف إلى البحث والتجريب ليقدِّم جملة تشكيلية جديدة تختلف من معرض إلى آخر. من ثم، جاء معرضه الأخير «تصوير» في غاليري «ضي» عصارة تجربة فنية بدأها قبل ثلاثة عقود. تتميز بورتريهاته بأسلوب فني خاص، وتكرار جمالي وبصري غير منسوخ، وهو ما تجلى في تجاربه الفنية الأخيرة داخل مصر وخارجها.
«الجريدة» التقته على هامش معرضه الأخير «تصوير»، وكان هذا الحوار.
«الجريدة» التقته على هامش معرضه الأخير «تصوير»، وكان هذا الحوار.
يتضمَّن معرضك الأخير «تصوير» أعمالاً متنوعة في الرؤية والتصوير. أخبرنا عنه.يحمل المعرض خبرة ثلاثة عقود ونصف العقد. تخرجت عام 1981 في كلية الفنون الجميلة بجامعة حلوان، وأرى أن الفنان يحتاج إلى عمر آخر كي يفهم الأمور ويعرفها، ولن يصل بالطبع إلى المطلق. عرضت قرابة 60 لوحة أقف خلفها بمنتهى الجدية، وجاء معرض «تصوير» كوني مصوراً في الأساس أجسد حكاياتي على اللوحة، والمتلقي يقرأها كما يتراءى له كل حسب رؤيته.
متتالية الوجه
لماذا أطلقت عنوان «متتالية الوجه» على بعض أعمالك فيما تركت معارضك السابقة من دون عنونة؟اعتدت فعلاً ألا أعطي أعمالي اسماً أو حتى المعرض نفسه، ولكن شرفتني الناقدة التشكيلية فاطمة علي بكتابة كلمة عن هذا المعرض وبعد قراءتها شاهدت أعمالي فبدأت أتحوَّل من الصورة إلى الكلمة، ولاحظت استخدامها جملة «متتالية الوجه» فقررت اختيارها عنواناً للمعرض.ولكن هل تنحاز إلى أشكال فنية لتقديمها من خلال أعمالك؟أنحاز حالياً إلى الوجه، ولكن يشغلني التصوير أكثر. قدّمت الوجه قبل ثلاثة أعوام بألوان وتقنية مختلفة، ما يؤكد أن الفيصل يكمن في المعالجة التصويرية إلى جانب الحالة الحسية التي تختلف بتطور التجربة، حتى إن كان الموضوع واحداً في معارض عدة.نلحظ تفاوتاً وتنوعاً كبيراً في الأحجام بمعرضيك الأخيرين. ما دلالة ذلك؟أفضِّل اللوحات الكبيرة والمتوسطة. الحجم الكبير بمنزلة رحلة حتى من الناحية الجسدية، وفي النهاية كل سنتيمتر في العمل يشكِّل جزءاً مهماً غير منفصل عنه وهو مهم بقدر حالة المنتج النهائية. أسعى إلى لوحة على قدر كبير من الانضباط كقطعة موسيقية. ولكن العمل الكبير يحتاج إلى طريقة مختلفة في الأداء، ربما تؤدي إلى مفاجآت في العمل التصويري.تجارب مختلفة
إلى أي مدى يشغلك البحث والتجريب على مستوى الرؤية والمادة، خصوصاً أن «تصوير» شهد ثلاث تجارب مختلفة؟ أشعر طوال الوقت بأني باحث، أريد أن ألتقي تجارب جديدة، وأكتشف نفسي بصورة أكبر، وأسعى كي تكتمل جملتي التشكيلية بالحد الأقصى، وألا تتأخر الجملة التي أريد تقديمها لأنني لا أذهب إلى مرسمي يومياً أو لا أطوِّر رؤيتي وحالتي العاطفية. من ثم، من الضروري أن يشكِّل كل معرض مهمة في مسيرتي. بدأت العرض عام 1989، ومعرضي الأخير «تصوير» يعُد الرابع عشر فردياً، أي بمعدل معرض كل عامين، لأني أسعى إلى الدخول في تجربة جديدة مع كل معرض، وهذا الدخول ليس بالعقل فحسب ولكن بالممارسة أيضاً. عموماً، الفنان لا بد من أن يعمل يومياً، وإلا جفّت الألوان لديه، لذلك أعتبر نفسي طوال الوقت في حالة بحث.اختار الكاتب الأسباني خوسيه ماريا ميرينو إحدى لوحاتك غلافاً لروايته. ما تعليقك؟يؤكد هذا الأمر أن العالم من خلال الفن يتخطّى الحدود والجنسيات والمشاكل، وأن الإبداع ملك الإنسانية. رغم أن هذا الكاتب كان بإمكانه اختيار إحدى لوحات بابلو بيكاسو أو خوان ميرو وغيرهما كثير من الفنانين العالميين، فإنه من خلال الإنترنت انتقى إحدى لوحاتي، وأنا هنا لا أمتدح فني ولكني سعيد بهذا الحدث، فنحن نعشق الموسيقى الكلاسيكية أياً كان مؤلفها أو مكان إبداعها، كذلك نحب لوحات بول سيزان وبيكاسو وفان غوغ.تقيم في الخارج، فماذا عن حضور المشهد التشكيلي العربي هناك؟ هل ترى له حضوراً مؤثراً؟من خلال تجربتي الشخصية، أعتقد أن الناس في الخارج لا ينظرون إليّ كعصام معروف الفنان المصري أو العربي، لأنهم يحكمون على الفنان من منطلق حالة الجدية، والقيمة الفنية واحترام المنتج الفني، وإلا ما كنت لأستطيع العمل خارج مصر. والأخيرة عموماً بلد فن منذ الأزل، والعالم كله يعرف هذا الأمر ويحترمه.الزمن الجميل
تحرص على إطلاق معرض بشكل شبه سنوي في مصر رغم إقامتك في الخارج وعروضك الخارجية؟تعلمت الفن في مصر. صحيح أنني استكملت الدراسة في إيطاليا، وفي هولندا، ودرست تاريخ الفن وأجريت بحثاً عن سيزان، ولكن الأهم أني نشأت في عصر جميل ارتبط بحفلة أم كلثوم الشهرية وعبد الحليم حافظ. كذلك لفتني الفن الفرعوني والإسلامي والقبطي. مثل هذا المناخ شجعني على الفن. لذلك كله، لا أستطيع الاستغناء عن العرض في مصر، وأجد نفسي دائماً في حالة تعني باللغة البسيطة «ضرورة شحن البطارية».ولكن هل تعتقد أن إقامتك في الغرب هيأت لك المناخ المناسب لتبدع تجربتك الفنية وتطورها؟ليس شرطاً أساسياً، لأني في النهاية أعيش داخلي، بمعنى أني من الممكن أن أرسم في مصر تجربة عاطفية حدثت لي في روما، والعكس صحيح. يعيش الفنان مع نفسه داخل نفسه، وقد تعلمت المبادئ الأولية لتصوير الأمور الموجودة في مصر والتي لا أعتقد أنها متاحة في أي مكان في الخارج. منذ العام الدراسي الأول يتمكّن الفنان من الرسم بالألوان، ولكن في مصر يكون الرسم باللونين الأبيض والأسود.وجودي خارج مصر في البداية كان انبهاراً بما رأيته خلال سفري من فن في الشارع واختلاطه بالحياة اليومية، وهو ما دفعني إلى استكمال دراستي في إيطاليا، ولكني سعيد سواء بوجودي في مصر أو أوروبا وأستطيع أن أرسم بشكل جيد في أي مكان، واستفدت من الخارج ولكني سافرت بعدما اكتمل تشكيلي البصري والنفسي والعقلاني، فلم يحدث انبهار سطحي وأنا أستفيد جداً بأني أستطيع أن أكون في هذه الحالة الحراكية ما بين مصر وأوروبا، أشعر بأنها تجعلني محتفظاً بالحالة العاطفية التي أحتاج إليها خلال العمل.احترام الفن
ينظر الفنان عصام معروف إلى عملية الإبداع على أنها تحتاج إلى رؤية ودراسة، ولكن لا بد من أن يكون خلفها الجزء الإنساني. يقول: «يحتاج الإنسان إلى التعبير عن نفسه سواء بالكلمة أو الخط أو الموسيقى، ثم بعد ذلك يحدث نوع من المتابعة. حاولت أن أدرس تاريخ الفن، فتعلمت احترام الفن وعشقت اللونين الأبيض والأسود. وفي النهاية، وجدت أني أحتاج إلى الرسم. أريد أن أجلس مع نفسي، ولديَّ استعداد للبقاء عشر ساعات بمفردي مع ألواني. وتبقى المصداقية والجدية والاستماع أموراً أساسية في الإبداع».
معرضي «تصوير» سعى إلى اكتمال جملتي التشكيلية
سافرت بعدما اكتمل تشكّلي البصري والنفسي والعقلاني
سافرت بعدما اكتمل تشكّلي البصري والنفسي والعقلاني