دعا إيمانويل ماكرون ترامب والمقربين منه إلى المشاركة في يوم الباستيل، تخال هذين الرجلين للوهلة الأولى نقيضين تقريباً، إلا أن التطورات الأخيرة تعكس علاقة أكثر قرباً مما توقعه المراقبون في بادئ الأمر، إذ يبدو أن ماكرون يوشك أن يصبح صديق ترامب الأول على الصعيد الدولي.ثمة إشارات إلى توافق محتمل بين ترامب، مصدر الإزعاج الشعبوي القومي في المشهد الدولي، وماكرون، البطل العالمي الداعم للاتحاد الأوروبي والديمقراطية الليبرالية، فشعبية ماكرون الكبيرة في فرنسا وعلى الصعيد الدولي تمنحه على الأرجح هامش حرية أكبر من معظم القادة في التعامل مع الرئيس الأميركي، الذي يُعتبر منبوذاً في أوروبا الغربية.
تشير شبكة «يورونيوز» إلى أن خلفية ماكرون في عالم الأعمال، التي تشمل فترات أمضاها في مصرف روثشايلد الاستثماري، فضلاً عن تبوئه منصب وزير الاقتصاد، يجعلانه أكثر انسجاماً مع ترامب. وتضيف هذه الشبكة أن «لترامب وماكرون كليهما مصالح سياسية في بناء علاقة، ولكليهما خلفية في مجال الأعمال قد تساهم في توطيد علاقتهما». ولعل ما يسهّل هذه العلاقة أكثر تحدث ماكرون الإنكليزية بطلاقة، وهو يقوم بذلك بحرية أكبر، مقارنة بالرؤساء الآخرين الذين تمسكوا بالحسابات السياسية وحرصوا على التشديد على حبهم للغة الفرنسية. ويلاحظ المراقبون أن ترامب يتجنب عادةً الترجمة وسماعة الأذن عند تفاعله مع القادة الأجانب، ما يقضي بالتأكيد على أي فرصة للتواصل الفاعل.وفي شهر يونيو، أعلن ماكرون أنه ما من خليفة واضح للأسد في سورية، متراجعاً عن موقفه السابق، وجعلته هذه الخطوة أكثر توافقاً مع ترامب، الذي أيّد بشكل متقطع هذا الموقع، مع أنه وجّه ضربة إلى الرئيس السوري في شهر أبريل. يذكر موقع Russia Insider أن «نيكسون وحده استطاع الذهاب إلى الصين، وماكرون وحده استطاع إخراج فرنسا من معسكر (يجب أن يرحل الأسد) من دون أن يحرّك أحد ساكناً».لكن المسألة لا تقف عند حد ميول ماكرون الليبرالية التقليدية الناشئة، إذ يفخر هذا السياسي البالغ من العمر 39 سنة، الذي لم يسبق أن انتُخب لأي منصب، بوسطيته، وقد أمسك بزمام السلطة في سن صغيرة نسبياً في ظل ظروف فريدة. وبعدما واجه مارين لوبان القومية المتشددة وتغلب عليها في مطلع هذه السنة، دعمه معظم اليسار الليبرالي ليكون حصناً، إذا جاز التعبير، ضد البربرية، ولكن باستثناء كل تلك الضجة بشأن المناخ والعلوم، لا يبدو ماكرون يسارياً بحق.أدلى الرجل الثاني في السلطة الذي عينه ماكرون، المحافظ إدوار فيليب، بملاحظات لصحيفة Financial Times قبل أيام ستحطم آمال كل مؤيدي ماكرون الاشتراكيين. وذكرت الصحيفة: «عند الإشارة إلى أن خطط الحكومة، التي تشمل مزيداً من المرونة في سوق العمل، واقتطاعات ضريبية للشركات، وتشديداً على الحد من الإنفاق العام، كلها تدابير يمينة، ضحك فيليب وأجاب: نعم، ماذا كنتم تتوقعون؟».علاوة على ذلك، يكتب سكوت ماكونيل من American Conservative: «علينا الانتظار لنرى ما مدى تأييد ماكرون الفعلي للعولمة والهجرة، صحيح أنه كان كذلك في حملته، إلا أنه لا يبدو متحمساً، على غرار كل الرؤساء الفرنسيين الذين سبقوه، لإقامة مخيمات للاجئين في شمال باريس، ومن المؤكد أن تلك الدعابة عن قوارب (كواسا-كواسا)، التي التقطها الميكروفون، ليست أمراً قد يتفوه به سياسي متأصل بحق في الصوابية السياسية الإنكليزية- الأميركية».صحيح أن ماكرون يتمتع بشعبية كبيرة اليوم، إلا أن وزير الحزب الاشتراكي السابق هذا قد يواجه قريباً ضغط اليسار. توضح سيسيل ألدوي من ستانفورد أن النتيجة النهائية لزيارة هذا الأسبوع مازالت «غير واضحة». لم تؤدِّ المصافحة القوية الشهيرة بين ماكرون وترامب آخر مرة إلى أي نتائج ملموسة، باستثناء نتائج رمزية لماكرون، فقد انسحب ترامب رغم ذلك من اتفاقية باريس، صحيح أن العلاقة بينهما تزداد توطداً، لكن المهم حقاً يظل الاتفاقات السياسية الملموسة، غير أن كلا من ماكرون وترامب حقق انتصارات كانت مستبعدة، كما أن كليهما واقعيان، وسواء كان الحوار بشأن سورية أو التجارة، فإن هذه تعتبر بداية علاقة جميلة، إذا استخدمنا كلمة ترامب المفضلة.* كورت ميلز * (ريال كلير وورلد)
مقالات
هل نشهد محوراً فرنسياً - أميركياً؟
24-07-2017