من منطلق المسؤولية الاجتماعية تجاه البيئة، وحفظ مقدرات الأمم والشعوب وخلق فرص العمل والارتقاء بمهنية العمل النفطي وتحقيق القيم المضافة بشكل عام، توجهت الشركات النفطية حول العالم والدول نحو آليات الاستفادة القصوى من الغازات المصاحبة للإنتاج والتصنيع النفطي خصوصاً الهايدروكربونية منها، عن طريق عدة مشاريع وتشريعات وشراكات إقليمية ودولية.

ومما لا شك فيه أن الوعي البيئي والالتزام المجتمعي بحماية البيئة وعدم الإضرار بها بات معياراً من معايير الرقي، الذي ينظر إليه في تقييم الشركات حول العالم لاسيما النفطية منها، وجميعها تشترك في أن "السلامة أولاً" هي القاعدة الأولى التي تنطلق منها بشأن الإنتاج والتصنيع وصحة الأفراد وسلامة الأصول و الأفراد والبيئة كحد أدنى.

Ad

وعمدت الدول المنتجة للنفط إلى الشراكة العالمية لخفض محروقات الشعلات الصناعية والمتعارف عليها دولياً بما يسمى (Global Gas Flaring Reduction Partnership (GGFR) - World Bank Group ) بإشراف البنك الدولي، التي تهدف إلى وقف الحرق الروتيني كلياً بحلول عام 2030، فتبارت بعض الشركات المرموقة في تقديم مجهوداتها لتحقيق النجاح من هذه الشراكة بشفافية عالية جاعلة من نفسها مثالاً يحتذى من جهة، ومن جهة أخرى زاد احترامها أمام العالم كشريكٍ استراتيجي مشرف لمن يطمح للشراكة معها.

ومن أبرز هذه الشركات "أرامكو" السعودية، وما حققته من خلال برنامج تقليل المحروقات الصناعية، وقامت بذلك من خلال الشعلات الصناعية تطبيقاً لخريطة طريق صفرية الانبعاثات من محروقات الشعلات الصناعية معلنة أنها اقتربت من الصفر المراد تحقيقه عام 2012 بواقع 50 مليون قدم مكعبة قياسية، مقارنة بمعدل مئة مليون قدم مكعبة قياسية لعام 2000، و 4 مليارات قدم مكعبة قياسية لثمانينيات القرن الماضي.

وحصلت "أرامكو" إثر هذا المجهود على شهادة الريادة والامتياز (جائزة الامتياز) بخفض محروقات الشعلة الصناعية، بل حققت "أرامكو" الصفر في بعض حقولها، ومنها حقل التناجيب عام 2016 مؤكدة جديتها بهذا المشروع على أرض الواقع.

وهناك أيضاً جهود مجموعة شركات أدنوك، التي خفضت محروقات الغاز عن طريق الشعلات الصناعية بين عامي 1995-2004 بنسبة تتراوح بين 65-78 مئوية واستمرارها نحو صفرية الانبعاثات من الشعلات الصناعية وتدشينها لنظم اصطياد غاز ثاني أوكسيد الكربون. والأمثلة على مثل هذه المجهودات والإنجازات كثيرة.

الكويت وحرق الغاز

وفيما يتعلق في الكويت، التي انضمت إلى الشراكة العالمية لخفض محروقات الشعلات الصناعية (GGFR) عام 2011 والممارسات النفطية المتعلقة بالغاز والبيئة فالموضوع يبدو متبايناً من خلال المعلومات المطروحة والالتزام بالتنفيذ وكأن الموضوع مبادرات شخصية لبعض المسؤولين في بعض شركات القطاع النفطي وتراخي البعض الآخر أو انعدام اهتمام أو اقتدار، على الرغم من وجود الشركات تحت مظلة واحدة وهي مؤسسة البترول الكويتية.

فمن جهة شركة نفط الكويت، ومن بعد ملاحظات ديوان المحاسبة المتتابعة حول الخسائر غير المباشرة من حرق الغاز في هذه الشركة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر 626 مليون دينار لست سنوات في تقرير2007، تتابع الإنجاز في هذه الشركة لتقليل الحرق إلى 40 في المئة ثم إلى أقل من 1 في المئة عام 2015 لتحصل بجدارة بهذا الإنجاز على جائزة التميز في خفض حرق الغاز.

أما بالنسبة للبترول الوطنية، فالمهتمون لا يزالون يترقبون النقلة النوعية المتوقعة من تدشين مشروع الوقود البيئي، إضافة إلى مشروع استرجاع غاز الشعلة، التي أكدت عليها المؤسسة في مجمل ردودها على نقاط ديوان المحاسبة 2015، مع الإشادة بعدم وجود حرق روتيني يذكر في هذه الشركة بل هي محروقات في أوقات الطوارئ والعمليات غير الاعتيادية مثل الخامات خارج الحدود القياسية للتصميم، وهي حالات قليلة ومقبولة فنياً.

«نفط الخليج»

أما بالنسبة للشركة الكويتية لنفط الخليج، فقد كان حرق الغاز الشعرة التي قصمت وأوقفت تدفق النفط بداية في الخفجي عام 2014 وإن كانت بحسب ما يراه البعض ذريعة لكن ذلك لا يزيد المتسبب بها إلا بؤساً.

ويرى المراقبون أن هذا التوقف جاء نتيجة عدم الجدية في التعامل مع حرق الغاز وتأخير مشاريعه رغم مدة السماح الممنوحة من قبل الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، التي تم رفض تمديدها إضافة لوجود خريطة طريق معلنة ومعتمدة من قبل الشريك "أرامكو"، التي كان ممكناً الاستفادة منها مسبقاً بل وربما مشاركة "أرامكو" جائزة الامتياز عام 2012، لكن المسؤول في الخفجي ذلك الوقت عجز إما عن الاستفادة من الشراكة بالانضمام إلى خطة الشريك أو أنه عجز عن مجاراة وتطبيق خريطة طريق ريادية قدمت على طبق من ذهب، وقد كان في ردود المؤسسة على ملاحظات ديوان المحاسبة في العام نفسه الذي تم فيه وقف الإنتاج 2014 وعود متفائلة بالاقتراب من محروقات بنسبة 4 في المئة بحلول أبريل 2017 والتي لا تعتبر محفزة لمن اقترب من الصفر في عام 2012 لاسيما بوجود التأخير.

أما من جهة عمليات الوفرة، وبحسب رد المؤسسة والنجاح المحقق بخفض حرق الغاز إلى 51 من 65 في المئة بتطوير الاستعانة بعمليات غرب الكويت من شركة نفط الكويت. يبدو أنها تعاملت مع الحصة الكويتية فقط دون أي إنجاز تجاه حصة الشريك (شيفرون العربية السعودية) رغم إمكانية تحويلها إلى شركة نفط الكويت أيضاً للمعالجة بدل الحرق.

غير أن غياب المحاسبة كان حافزاً على تلويث البيئة في حال العجز عن تحقيق سعر بيع مع تساهل المكاتب الخارجية للشريك Chevron تجاه الحرق الروتيني للغاز على أرض الكويت ومدد سماح مطولة مكررة خلافاً لنظمها القياسية للتشغيل الصديق للبيئة دون حرق غاز روتيني حول العالم لعدم تكبد أي غرامات من جهة وعدم الاكتراث بتأثر حصة الكويت من الانبعاثات في مشروع الشراكة العالمية من جهة أخرى وذلك بحسب الآراء المطلعة والتحليلية.