لماذا حدثت أزمة الخليج؟ وهل ستتكرر؟
"الأمير للجريدة: وساطتي بين قطر والسعودية لم تنجح... لكنني متفائل"، كان ذلك هو مانشيت العدد الأول لـ"الجريدة"، الصادر في ٢ يونيو ٢٠٠٧، أي قبل عشر سنوات. ما أشبه الليلة بالبارحة. كان لافتاً في ٢٠١٣ و٢٠١٤ أنه وفي غمرة الحديث المفعم بالأمنيات عن اتفاقية أمنية خليجية، وربما اتحاد خليجي، أن تقوم ثلاث دول خليجية بسحب سفرائها من دولة أخرى. كذلك فإن مجلس التعاون كمؤسسة لا يحظى بقبول الأعضاء وقت الأزمات، فمثلاً تم حل الخلاف البحريني القطري الطويل حول جزيرة حوار عبر محكمة العدل الدولية في لاهاي، مع العلم بوجود مؤسسة خليجية بالمجلس متخصصة في الموضوع. الأزمات بين دول الخليج ليست حدثاً جديداً، وهي مستمرة، ومتكررة، وأحياناً تعيد إنتاج نفسها. صحيح أنها هذه المرة قد تكون أشد وطأة، ولكننا فقط نتكلم عن الدرجة وليس عن الأساس.ربما هناك أسباب حقيقية وفعلية للأزمة الراهنة، وربما هي مفتعلة. إلا أن طبيعة ونمط تركيبة مجلس التعاون، هي العنصر المساعد على افتعال الأزمات، أو حدوث أزمات حقيقية بين مكوناته الستة.
ومع تقديرنا للأسباب المعلنة للأزمة، والتي قد يكون بعضها مستحقاً، إلا أن جوهر طبيعة الأزمات أبعد من التفاصيل، وقد يعود ذلك لسببين، الأول أن مجلس التعاون لم يتمكن، عن قصد، من إيجاد نظام أمني جماعي، تركن فيه كل دولة إليه لتحقيق مقتضيات أمنها، ويضمن لها عدم الخوف والتعامل مع ما تراه يمثل تهديداً لها. بل اختارت كل دولة أن تبني نظامها الأمني الفردي معتمدة إلى حد كبير على مكونات خارجية، وهنا تصبح الحاجة "الأمنية" بين دول الخليج ضعيفة إن لم تكن منعدمة. وهو أمر يضعف المنطق الجماعي، ويجعل الباب مفتوحاً بسهولة للأزمات سواء كانت حقيقية أو مفتعلة. أما السبب الثاني فيعود لطبيعة اتخاذ القرار بدول المجلس، فهي قرارات فوقية بشكل عمودي من الأعلى للأسفل، نهائية لا معقب وراءها، لا تخضع لنقاش، بما في ذلك قرارات الأزمات، فلا أحد يعلم كيف تحدث أزمة، وما هي أسبابها الحقيقية، وكيف ستنتهي؟ أما إن انتهت فلا يعلم أحد كيف انتهت؟ ويعيد هذا الوضع حديثاً قديماً جديداً عن الإصلاح السياسي في الخليج والمشاركة السياسية، والتي هي العنصر الضامن للاستقرار.وبالتالي ودون الخوض في تفاصيل الأزمة الحالية، فإنه ما لم يتم التعامل بجدية مع إشكالية الأمن الجماعي وتطويرها، وإشكالية نمط الحكم وانفتاحه بإشراك الشعب، فإننا موعودون، للأسف، بأزمات بمبرر أو بدون مبرر، ربما لن يكون أصعب تلك الأزمات مثلاً، أين ستعقد دورة الخليج القادمة لكرة القدم؟ والتي يفترض أن تجرى قرعتها في سبتمبر وموعدها في ديسمبر، وبمحض الصدفة فإن مكانها المقرر سلفاً هو الدوحة.